فقدان النمو في الصين لقوة الدفع يربك الاقتصاد العالمي

اتسع القلق بين الأوساط الاقتصادية والمالية العالمية بعد بيانات مخيبة عن النمو الصيني، الذي يعد أكبر محرك للاقتصاد العالمي في ظل زيادة تأثيرات الأزمة الصحية على الشركات والمستهلكين، والتي من المتوقع أن تمتد تداعياتها داخليا وخارجيا حتى نهاية هذا العام. وتعرضت الشركات والاقتصاد في الصين لضغوط متزايدة خلال الشهر الماضي مع توسع نشاط المصانع بوتيرة أبطأ بينما ظهرت علامات الانكماش بوضوح على قطاع الخدمات، بفعل القيود المرتبطة بفايروس كورونا وارتفاع أسعار المواد الخام. وبعدما حققت إحدى أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم إلى جانب الولايات المتحدة انتعاشا مثيرا للإعجاب بعد ركود ناجم عن الوباء، إلا أن المخاوف من انعكاسات السلالات المتحورة لكورونا على اقتصادها يبدو أنها ستستمر ولا يزال يتعذر توقعها.

وبرزت دلائل على أن الناتج المحلي الإجمالي تعرض لفقدان القوة الدافعة للنمو بسبب بؤر تفشّ محلية لكوفيد – 19، مما أبطأ الصادرات، فضلا عن إجراءات أكثر صرامة للحد من أسعار العقارات وحملة لخفض انبعاثات الكربون. وأظهرت بيانات من مكتب الإحصاءات الوطني الثلاثاء أن مؤشر مديري مشتريات القطاع الصناعي الرسمي بلغ 50.1 نقطة مئوية في أغسطس الماضي متراجعا بنحو 0.3 نقطة مئوية على أساس شهري. وقال تشاو تشينغ خه الإحصائي في الهيئة إن “قراءة المؤشر انخفضت من رقم 50.4 المسجل خلال يوليو بسبب عوامل مثل إصابات محلية العدوى بكوفيد – 19 ووضع الفيضان في الأيام الأخيرة”.

وبلغ المؤشر الفرعي للإنتاج 50.9 خلال أغسطس، بانخفاض 0.1 نقطة مئوية عن الشهر الأسبق، مما أشار إلى التوسع المطرد في إنتاج قطاع الصناعات التحويلية. وخلال الفترة المذكورة، ضعف طلب السوق، حيث انخفض المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة 1.3 نقطة مئوية عن الشهر السابق إلى 49.6 نقطة مئوية، بالإضافة إلى انخفاض مقياس لطلبات التصدير الجديدة إلى 46.7، وهو أدنى مستوى في أكثر من عام. كما سرحت المصانع العمال بنفس وتيرة يوليو. ويعد مستوى الخمسين نقطة حدا فاصلا بين النمو والانكماش. وكان محللون استطلعت وكالة رويترز آراءهم توقعوا انخفاضه إلى 50.2 نقطة مئوية.

وقال جوليان إيفانز – بريتشارد كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة “تشير أحدث الاستطلاعات إلى أن اقتصاد الصين انكمش في أغسطس، إذ أثرت الاضطرابات التي أثارها الفايروس بشدة على نشاط الخدمات”. وأضاف “لقد استمرت الصناعة أيضا في فقدان القوة الدافعة مع زيادة الاختناقات في سلسلة التوريد وتراجع الطلب”.

وفي علامة مقلقة على بطء تعافي الاستهلاك في الصين، تراجع مقياس نشاط قطاع الخدمات في أغسطس ليدخل دائرة الانكماش الحاد للمرة الأولى منذ ذروة الجائحة في فبراير من العام الماضي. وتشير بيانات مكتب الإحصاءات الصيني إلى أن مؤشر مديري المشتريات الرسمي للقطاع غير الصناعي بلغ 47.5 نقطة مئوية في أغسطس، بانخفاض كبير عن يوليو حينما سجل 53.3 نقطة مئوية.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات الرسمي المجمع ويشمل قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات إلى 48.9 نقطة مئوية في أغسطس من 52.4 نقطة مئوية في يوليو. وأظهر الاقتصاد الصيني بعض الإشارات المقلقة خلال الأشهر الأخيرة، رغم أن الناتج المحلي الإجمالي نما خلال الربع الثاني من هذا العام بنسبة 7.9 في المئة على أساس سنوي. ودفعت الأسعار القياسية للسلع الأولية التي تعثر نشاط المصانع إلى مستوى هو الأعلى منذ أكثر من عقد، في حين أدت اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن تراكم الشحن ونقص الطاقة إلى تراجع إنتاج المصانع.

ورغم أن السلطات الصينية تتوقع أن يضطلع الاستهلاك الداخلي بدور أكبر في الاقتصاد، إلا أن النمو لا يزال رهنا بالصادرات ما يشكل نقطة ضعف إذ أن زبائن بكين الرئيسيين أي الولايات المتحدة وأوروبا لا يزالون متضررين من الوباء.

وخلافا لغالبية دول العالم التي غرقت في الركود، أنهت الصين العام الماضي على معدّل نمو إيجابي عند نحو 2.3 في المئة، لكنّ هذه النسبة هي أدنى بكثير من معدلات النمو التي اعتاد عليها منذ العام 1976 ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقّق العملاق الآسيوي هذا العام نموا بنسبة 8.1 في المئة، وهو رقم مضخّم حسابيا بعد العام الماضي الذي كان قاتما بسبب الجائحة وتداعياتها.

وفي خضم الانتعاش الاقتصادي قد تبدو توقعات النمو التي تقل عن ثمانية في المئة مخيبة لآمال المستثمرين وقد تؤدي إلى تقلبات في الأسواق. وحذر المحلل كين تشونغ من مصرف ميزوهو الصيني في تصريحات سابقة لوكالة الصحافة الفرنسية من أن تحديد هدف نمو طموح جدا قد تكون له آثار سلبية مع ميل مسؤولين صينيين للقيام باستثمارات مبالغ بها تؤدي إلى المزيد من المديونية لتضخيم إجمالي الناتج المحلي.

وحددت بكين هدفا يقوم على استحداث حوالي 11 مليون وظيفة خلال العام الحالي وهو عدد مماثل للعام 2019 قبل الجائحة. وهذا المعيار لا يوفر أي معلومات حول عدد الوظائف التي ألغيت جراء الأزمة الصحية.

وتقول الحكومة إنها تهدف إلى خفض مستوى البطالة إلى 5.5 في المئة بنهاية هذا العام بعدما وصل إلى 5.6 في 2020، وهو العام الذي شهد أعلى مستوى بطالة شهري على الإطلاق وكان ذلك في فبراير حينما بلغ 6.2 في المئة. لكنّ هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة للوضع الاقتصادي في البلاد، إذ أنّ نسبة البطالة في الصين تأخذ في الحسبان سكان المدن فقط، أي أنّها لا تأخذ في الاعتبار ما يقرب من 300 مليون عامل ينزحون من الأرياف للعمل في المدن وكثير من هؤلاء فقدوا وظائفهم بسبب الأزمة الصحية. ويقول خبراء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إنه حتى إذا حدث تعاف أقوى من التوقعات خلال العام الحالي سيخسر الاقتصاد العالمي نحو 10 تريليونات دولار من إجمالي الناتج المحلي نتيجة الجائحة وإجراءات الإغلاق.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةغوغل تستثمر 1.2 مليار دولار في الطاقة النظيفة
المقالة القادمةمُطالبة واسعة ومُتصاعدة بتصحيحها… هل تُرفع الرواتب والأجور؟!