تتوالى التصريحات والإشاعات حول إفلاس مُحتمل للدوّلة اللبنانية كما وانهيار لليرة اللبنانية. هذا الحديث يصبّ في خانة الجهل أو المصالح السياسية ويضرّ بالمواطن وبمالية الدوّلة. إنّ تحليل الأرقام يُظهر أنّ الليرة مُستقرّة ولا إفلاس للدوّلة اللبنانية في المدى المنظور.
الدوّلة اللبنانية تواجه مصاعب مالية تتمثّل في عجز الموازنة، الذي تخطّى حدود المعايير الدوّلية وأصبح يُشكّل عنصرًا سلبيًا على الإقتصاد اللبناني وعلى الليرة اللبنانية. عجز الموازنة في العام 2018 بلغ 6.4 مليارات دولار أميركي، ومن المتوقّع أن يصل إلى حدود الـ 9 مليارات دولار في حال لم يتمّ القيام بإجراءات للجم الإنفاق وزيادة الإيرادات.
السيناريو الأسوأ الذي يُمكن الوصول إليه هو خفض تصنيف لبنان الإئتماني إلى مستويات أقلّ، وبالتالي إرتفاع خدمة الدين العام ومعها زيادة الضغط على الليرة اللبنانية وحرمان الإقتصاد من الإستثمارات، في ظل فرضية عدم تحرير أموال “سيدر”، إذا ما ارتفع العجز في العام الحالي.
لكن هذا الأمر لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال إفلاس الدوّلة اللبنانية!
في حساب بسيط، نرى أنّ حجم القطاع المصرفي اللبناني هو 240 مليار دولار أميركي، أضف إلى ذلك، أنّ حصّة الدولة اللبنانية من الثروة النفطية والغازية مُقدّرة (من قبلنا) بـ 200 مليار دولار صافي في أسوأ الأحوال، بالإضافة إلى أنّ حجم الناتج المحلّي الإجمالي للدوّلة اللبنانية هو 56 مليار دولار، وأنّ أصول الدوّلة اللبنانية المُختلفة تتخطّى الـ 20 مليار دولار أميركي، ما يعني أنّ صافي أصول لبنان في أسوأ الأحوال يفوق الـ 500 مليار دولار أميركي، مُقارنة بدين عام يُقارب الـ 100 مليار دولار.
إذًا، كفى تهويلاً على انهيار المالية العامّة، وكفى مراهنات على انهيار الليرة اللبنانية. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اتصف بالمصداقية طيلة مسيرته المهنية، قالها ويستمرّ في قولها «الليرة مُستقرّة وستبقى مُستقرّة». هذا القول نابع من حجم الإحتياطي من العملات الأجنبية الذي يمتلكه مصرف لبنان، والذي يفوق قدرة أي مضارب على الليرة اللبنانية بعشرات الأضعاف.
ما ذكرنا أعلاه، لا يعفي الحكومة اللبنانية من ضرورة القيام بإجراءات تصحيحية لإعادة التوازن إلى المالية العامّة، خصوصًا أن الإستمرار على هذا النحو يُقلّل من هامش ملاءة لبنان على الأمد المتوسّط إلى البعيد. أيضًا يتوجّب على الدوّلة اللبنانية الأخذ بالإعتبار سيناريوهات دولية تهدف إلى التوطين، وقد تكون الإشاعات الهدّامة على المالية العامّة والليرة اللبنانية وسيلة لتسهيل إنصياع لبنان لهذه المطالب.
الفساد المُستشّري يضرب سيادة الدولة المالية. هذه السيادة مفقودة منذ الحرب الأهلية، ويُمعن الفاسدون في ضرب سيادة الدولة من خلال خلق منظومة فساد أقوى من مؤسسات الدولة وحتى أقوى من القانون اللبناني. هذه القوّة يستمدّها الفساد من مبدأ وضعته القوى السياسية اللبنانية بُعيد نهاية الحرب الأهلية وهو “السلم الأهلي فوق كل إعتبار”. هذا الأخير يمنع المسّ بالفاسد على اعتبار أنّ المساس به هو مسّ بطائفته ويُصبح خطّا أحمر عملًا بمبدأ “السلم الأهلي فوق كل اعتبار”.
المطلوب من السلطة السياسية وضع موازنة ذات مصداقية لا تُشبه موازنة العام 2018 التي توقّعت عجزاً بقيمة 4.8 مليارات دولار أميركي. والواقع أوصل العجز إلى 6.4 مليارات دولار. المصداقية تنصّ على شقّين:
أولًا- إيجاد مداخيل وخفض الإنفاق بطريقة يُصبح معها العجز في الموازنة أقلّ من 9% من الناتج المحلّي الإجمالي.
ثانيًا – إتخاذ إجراءات جدّية (داخل الموازنة) لمكافحة الفساد، وذلك بهدف تدعيم خفض العجز، ولكن أيضًا بهدف إستعادة الدولة لسلطتها المالية على الأراضي اللبنانية.
إنّ عجز الميزان التجاري يُشكّل عنصر الضعف الأساس في الإقتصاد والمالية العامّة. وباستحالة تقوية الماكينة الإنتاجية اللبنانية على الأمد القصير، يجب إعادة فرض رسوم جمركية على البضائع المُستوردة والتي لها مثيل في لبنان. هذا الإجراء يُدعّم خزينة الدولة بمداخيل إضافية وفي نفس الوقت يدّعم الصناعة والزراعة اللبنانية. إنّ هذا الإجراء لا يمسّ بالمعاهدات التي وقّعها لبنان مع الإتحاد الأوروبي والدول العربية.
أضف إلى ذلك، ضبط الحدود البرية لمنع التهريب عبر الحدود وضبط المرافق العامّة وعلى رأسها مرفأ بيروت، مرفأ طرابلس، المطار وغيرها.
من ناحية أخرى وعطفًا على اقتراح شركة ماكنزي بزراعة الحشيشة في لبنان لأهداف طبية، لا نعرف حتى الساعة ما الذي يُعيق الدولة من القيام بهذه الخطوة، خصوصًا أنّ الأرقام التي يُمكن تحصيلها تُقدّر بمليارات الدولارات الأميركية.
ولا يجب نسيان مُستحقات الدولة لدى المواطنين والبالغة بحسب تقديراتنا 4 مليارات دولار، بين ضرائب ورسوم مُستوفاة وغير مجباة.
كما أنّ الترف الذي تعيشه مؤسسات الدولة من خلال التوظيف العشوائي ومن خلال النفقات التشغيلية، تُعدّ إنتحارًا ماليًا، نظرًا إلى النمو الإقتصادي المُقدّر بـ 1% من الناتج المحلّي الإجمالي، وهو لا يكفي لتغطية نفقات الدوّلة اللبنانية.
لا يُمكن القبول، كما قالها رئيس الجمهورية، أن تستمرّ الأمور كما هي عليه. وبالتالي وعلى إثر تصريحه في الصرح البطريركي إبّان عيد الفصح المجيد، سيشهد لبنان أولى الخطوات الفعلية لمحاربة الفساد الذي يضرب سيادة الدولة المالية.
مما سبق، نرى أنّ لبنان ليس ببلد مُفلس بل هو ضحيّة الفساد الذي ينهب مُقدّراته المالية ويؤخّر الإنماء فيه. وبالتالي، إنّ التصريحات والإشاعات التي تطال الوضع اللبناني تخدم أهدافاً سياسية (إقليميًا ومحليًا) وما على رجال الدولة الإ أخذ الإجراءات اللازمة لضبط المالية العامّة.
تُعتبر هذه التصريحات والإشاعات ضربة للكيان اللبناني، وبالتالي على السلطات أخذ الإجراءات اللازمة لوقفها.
في الختام، لا يمكن القول إلّا أنّ صيف لبنان واعد مع توقعات بقدوم ما بين 300 إلى 500 ألف سائح سعودي إلى لبنان خلال الشهر الفضيل وموسم الصيف المقبل. لذا مطلوب من الحكومة القيام بكل ما يلزم لتأمين الوضع الأمني والسياسي لهؤلاء السياح.