قطاع الخلوي: جرعة للمورّدين لا تُبعد الخطر

بعد أكثر من شهرين على قرار استرداد قطاع الخلوي، لم يتغير شيء. لا مجلس الإدارة الجديد عُيّن ولا الدولة تسلّمت. الفترة الانتقالية تلك تساهم في زيادة مشكلة القطاع. فالمورّدون لم يقبضوا مستحقاتهم منذ أشهر. حتى الجرعة التي حصل عليها موردو المازوت من «زين» لن تكون كافية لإبعاد الخطر

كان يُفترض أن تعقد شركة «أوراسكوم» جمعية عمومية، جدول أعمالها مؤلف من بندين: تعيين مجلس إدارة جديد وإعطاء براءة ذمة لأعضاء مجلس الإدارة السابق. لكن الجلسة لم تُعقد بسبب رفض المساهم الأكبر، أي الدولة ممثلة بـ«فرنسبنك»، إعطاء براءة الذمة للأعضاء الذين يمثّلون شركة «أوراسكوم» (مشغّلة «ميك 1»، أي «ألفا»)، قبل إنجاز التدقيق. هذا الأمر أكده وزير الاتصالات طلال حواط لـ«الأخبار»، إذ أشار إلى أن الجمعية العمومية في شركتي «ميك 1» و«ميك 2» تنتظر انتهاء التدقيق الذي تجريه شركة PWC للأشهر الستة الأولى من 2020 (أنهت الشركة عملية التدقيق في حسابات عام 2019). وهو توقّع أن تُنجز هذه العملية قبل نهاية الشهر، بما يسمح بانعقاد الجمعية العامة في كل شركة وإقرار جدول أعمالها الذي يتضمن تعيين مجلسي إدارة جديدين. هذا يعني أن أكثر من شهرين مرّا على تعيين نظري للأعضاء الجدد، لم يُترجم لا بتثبيت هذا التعيين ولا حتى بتواصل الوزارة أو التنسيق مع المعيّنين، تحضيراً لمرحلة ما بعد تسلّمهم إدارة الشركتين.
بالنسبة إلى «أوراسكوم»، لا مشكلة جدية في الدفع للمورّدين. فمجلس الإدارة كان يدفع دورياً لهم، ولم يتوقف إلا بعد إقرار قانون الموازنة في 5 آذار الماضي (ألزم الشركتين بتحويل كل العائدات، باستثناء الرواتب، إلى الخزينة). في المقابل، فإن الموردين العاملين مع «زين» (مشغّلة «ميك 2»، أي «تاتش») هم الذين كانوا يشتكون من عدم قبض مستحقات تعود إلى بداية عام 2019، بداية بسبب رفض الشركة الدفع لهم، ولاحقاً بسبب انتهاء ولاية مجلس الإدارة. لكن نتيجة الضغوط المتصاعدة على الشبكة، عقدت «ميك 2» جمعية عمومية استثنائية يوم الاثنين الماضي. جدول الأعمال كان مؤلّفاً من: تمديد ولاية مجلس الإدارة لثلاثة أيام لتسديد رواتب الموظفين من تشرين الثاني 2019 لغاية حزيران 2020 (كانت شركة زين تدفع الرواتب من حسابها (حتى أيار)، والترخيص لمجلس الإدارة بما يراه مناسباً تسديد مستحقات المورّدين بهدف تأمين استمرارية الشبكة. البند الأخير كان إشكالياً، لمخالفته المادة 36 من قانون الموازنة، والذي يشير إلى أنه «خلافاً لأي نص قانوني أو تعاقدي آخر، وباستثناء الرواتب، تلزم الشركات المشغلة لقطاع الخلوي بتحويل الإيرادات الناجمة عن خدمات الخلوي إلى حساب الخزينة في مصرف لبنان…».
لذلك، انتظر المساهم الأكبر، أي الدولة اللبنانية ممثَّلة بـ«بنك عوده»، انتهاء جلسة مجلس الوزراء، التي عقدت في اليوم نفسه، للتأكد من إنجاز آلية الدفع. وبالفعل، وافق مجلس الوزراء على الآلية التي اتفق عليها وزيرا الاتصالات والمالية، ووضعت موضع التنفيذ.
في المادة الثانية من القرار – الآلية، الموقّع من الوزيرين طلال حواط وغازي وزني إشارة إلى أن «على شركتي الخلوي أن تقوما، في الأول من كل شهر، بتحويل صافي الإيرادات الشهرية، بعد حسم كلفة الرواتب وكل المصاريف التشغيلية، مرفقة مع كشف تفصيلي يظهر الإيرادات المحصّلة والنفقات المسدّدة خلال الشهر».
المفارقة أن هذه الآلية كانت بدورها مخالفة لقانون الموازنة الذي لم يُدخل المصاريف التشغيلية في إطار الاستثناء من التحويل إلى الخزينة. لكن بالنسبة إلى ممثل الدولة في الجمعية العمومية، كانت الأولوية الحصول على تغطية قانونية لعملية الدفع، وقد حصل عليها، إلا أن هذا الأمر بقي إشكالياً في الشركة. مكتب محاماة مغيزل أعد مطالعة بيّن فيها أن الاتفاقية بين الوزيرين مخالفة للقانون، وهو المسار الذي سلكه أعضاء الجمعية العمومية، وسيم منصور ووائل أيوب وعماد حمدان، إلا أن شربل قرداحي وعلي ياسين، كان رأيهما مختلفاً، فأيّدا الدفع للموردين وفق الصيغة التي أقرّت، انطلاقاً من أن التأخير في الدفع يساهم في شل قطاع الاتصالات، فيما يمكن أن يساهم تسديد المستحقات في تحريك الاقتصاد الراكد، وخاصة أن التغطية أتت من مجلس الوزراء.
هذا الرأي تبنّته وزارة الاتصالات، التي كانت في الوقت نفسه تعدّ مشروعاً لتعديل المادة ٣٦ من الموازنة، بعدما استقر الرأي القانوني لديها على أن هذه المادة لم تعد قابلة للتطبيق بعد انتقال إدارة قطاع الخلوي إلى الدولة. ذلك ينقضه مصدر قانوني يذكر أن شركتي الخلوي لا تزالان، حتى بعد انتقال الإدارة إلى الدولة، تعملان كشركتين خاصتين وتخضعان لقانون التجارة، وبالتالي فإن الأحكام التي تطالهما عندما كانتا تُداران من قبل «زين» و«أوراسكوم»، لم تتغير.
بالنتيجة، ظهر جلياً خلال الأشهر الماضية، أي منذ إقرار الموازنة في ٥ آذار، أن الالتزام بهذه المادة ساهم في الإضرار بقطاع الاتصالات، إذ إن مجلسي الإدارة، حتى عندما مُدد لهما، لم يكونا قادرين على توقيع أي فاتورة للموردين، ما أدى إلى إفلاس بعض الشركات وتسريح عُمالها، بسبب عدم قبض أي مستحقات.

لذلك، ترى مصادر الوزارة أن الاستمرار بالعمل بهذه المادة سيساهم في تدمير القطاع. الخطوة الأولى كانت في الآلية التي اتفق عليها بين وزارتي المالية والاتصالات ووافق عليها مجلس الوزراء والتي سمحت للشركتين بدفع مستحقات الموردين وفق شروط محددة. وبالرغم من أن تلك آلية لا إجماع على قانونيتها، إلا أن وزارة الاتصالات تعتبر أنه تحت عنوان الضرورات تبيح المحظورات، لم يكن بالإمكان إلا اللجوء إلى آلية تضمن الدفع للمورّدين بما يؤدي إلى تسيير المرفق العام. أكثر من ذلك، يرى مصدر قانوني أن المصلحة العامة تعلو على القوانين، وبالتالي إذا كان القانون يساهم في الإضرار بمصلحة المواطنين، وجب عدم تنفيذه.
بالرغم من الجمعية العمومية أجازت لمجلس الإدارة الدفع. إلا أن «زين» عادت وفرضت وجهة نظرها في الاجتماع الذي عقده المجلس يوم الجمعة، قبل ساعات من انتهاء مدة التمديد له. فاكتفت بإقرار دفع الرواتب وجزء من مستحقات مورّدي المازوت (حتى نهاية 2019 فقط).
المشكلة حُلّت جزئياً، لكنها ستتجدد نهاية الشهر، مع استحقاق رواتب الموظفين، في ظل عدم وجود مجلس إدارة قادر على التوقيع. إلى ذلك الحين، تتوقع وزارة الاتصالات أن يكون مجلسا الإدارة الجديدان قد عُيّنا. وهذه خطوة تؤدي إلى الالتزام بالدفع للمورّدين وفق الآلية التي أقرّت. لكن مع ذلك، فإن الوزارة أدركت أن أي شركة إدارة ستأتي لاحقاً لن تكون قادرة على العمل في ظل النص الراهن للمادة 36 من الموازنة. ولذلك، كان التوجه نحو تعديلها. وقد قرر مجلس الوزراء الموافقة على مشروع قانون يرمي إلى تعديلها «بما يتلاءم مع الصيغة النهائية لدفتر شروط المناقصة وعقد الإدارة الجديد، بما يؤمن إشراك أكبر عدد من المشغلين العالميين».

إيلي الفرزلي – الاخبار

المادة السابقةلماذا يصرّ الصندوق على الكابيتال كونترول؟
المقالة القادمةابتكارات المصارف الجديد… لَيْلَرة الودائع والتخلي عن الدولار