عرفت صناعة المفروشات في لبنان عزاً منقطع النظير، وشكّلت في واحدة من المراحل إحدى دعائم الصناعة الوطنيّة وأكثرها توفيراً لليد العاملة المحليّة. عصب هذه الصناعة كان متركّزاً في محافظة الشمال عموماً، وتحديداً طرابلس التي كانت تُسمى «عاصمة المفروشات في لبنان والعالم العربي».
كان الطرابلسيون يسترزقون من هذه الحرفة بعشرات الآلاف، ولم يكونوا في وقتها بحاجة إلى الخروج إلى الشوارع وحرق الإطارات طلباً للقوت والعمل، فأغلبهم كانوا منهمكين في محترفاتهم ويسعون خلف لقمة العيش بكرامة، إلى أن اختارت الدولة، بسوء تخطيطها، رميهم في البطالة والتخلي عنهم. يلفت رئيس نقابة أصحاب الصناعات الخشبية والحرفية والمفروشات عبدالله حرب إلى أن «قطاع المفروشات كان يشكل حوالى 60% من مجمل اقتصاد الشمال وطرابلس، وكان عدد المستفيدين من هذا القطاع والمعتاشين منه يقارب الـ 300 ألف نسمة». ضخامة العدد تعود إلى أن القطاع كان يسهم في تنشيط أعمال كثير من المهن المرتبطة به كالدهان والنجارة والتنجيد وحفر الخشب ورسمه وتجارة الأقمشة وغيرها.
القطاع «تعرّض لضربات متتالية منذ منتصف التسعينيات وهُشِّم بالكامل منذ حوالى 10 سنوات». فإضافة إلى «الاستيراد الإغراقي وانعدام قدرتنا على منافسة الطاقة الإنتاجية الهائلة التي تتمتع بها الدول التي تصدر مفروشاتها إلى لبنان، ساهم التهريب عبر المرفأ وإدخال البضائع المستوردة وتسجيلها تحت بنود جمركية أخرى، في القضاء على ما تبقّى من مؤسسات». والخلاصة «انقراض اليد العاملة في المجال بشكل شبه كامل. فكيف لنا أن نصدّر إن لم يعد هناك عمّال في الأساس. صناعة المفروشات اللبنانية حرفة عالية الجودة وتتطلب يداً عاملة ماهرة ومحترفة، فيما اليد العاملة الأجنبية خصوصاً من الدول المجاورة تفتقر إلى الخبرة اللازمة».
إذ أن الموادّ الأولية والأدوات الضرورية للتصنيع بدأت تُفقد من السوق لأنها جميعها تُستورد، و«لم يعد يوجد خشب، والغري مفقود، وحتى البراغي والمسامير غير متوفرة… كل شيء مفقود».
رغم تشديده على أن «الحمايات الموجودة غير كافية فيما يجري إغراق السوق بالمفروشات المستوردة»، يحافظ رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل على تفاؤله بأن «الصناعة المحليّة تمتلك فرصة، لكن مقوّمات نجاحها ليست البضاعة الرخيصة بل الحرفية العالية والابتكار اللذان يسمحان بإبراز جودة الإنتاج. بالتالي أساس المعركة ليس في تخفيض الأسعار بل في التميّز والمهارة في التصنيع».