«كابيتال كونترول»… بعد فوات الأوان؟

عاد قانون الكابيتال كونترول إلى الواجهة مجدداً. مرّ أكثر من عام على طرحه للمرة الأولى. عام كان كفيلاً بتهريب مليارات الدولارات. هكذا ببساطة، بين الخفّة والتآمر خسر الاقتصاد اللبناني نحو 7 مليار دولار، هو المبلغ التقديري الذي اختفى من حسابات مصرف لبنان، وهذا مبلغ يضاف إلى نحو 6 مليارات دولار هرّبها نافذون إلى الخارج ما بعد 17 تشرين الأول. باختصار، عدم إقرار قانون تقييد السحوبات النقدية والتحويلات إلى الخارج كان قراراً شرّع الاستنسابية، فاستفاد منها المحظيّون والسياسيون لتهريب أموالهم، فيما حرمت المصارف المودعين الصغار من هذه «النعمة».

لا بد بداية من التذكير أن مسألة الكابيتال كونترول كانت قد طُرحت بعد إغلاق المصارف عقب انتفاضة 17 تشرين 2019 لمدة أسبوعين. حينها كانت التوقعات أن الذعر الذي خلّفه هذا الإغلاق سيؤدي حكماً إلى تهافت المودعين على سحب أموالهم أو تحويلها إلى الخارج. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وسط رفض مطلق من قِبل السلطة، وفي مقدّمها الرئيس نبيه بري، على اعتبار أن الدستور يضمن الحريات الاقتصادية، ومنها حرية نقل الأموال.
طُوي الملف في ذلك الحين، ليعود ويُفتح مجدداً في شباط 2020، من خلال الزيارة المشتركة التي قام بها وزير المالية غازي وزني ورئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان لرئيس المجلس النيابي. في نهاية الاجتماع، وافق بري على أن يرفع وزني مشروعاً إلى الحكومة، متعهداً السير به، بعد أن جرى النقاش في الخطوط العريضة له. وبالفعل، عمد وزني وفريق وزارة المالية إلى التواصل مع صندوق النقد الدولي، عارضاً عليه نصاً وُصف بأنه غير جدي، ما أدى لاحقاً إلى توقّف التنسيق مع الصندوق، الذي اعتبر ممثلوه أنه لا جدوى من استمرار التواصل بشأن الكابيتال كونترول إذا لم تقدم وزارة المالية نصاً جدياً يمكن البناء عليه.

بالنتيجة وصل الاقتراح إلى مجلس الوزراء «بلا حصانة». لا المصارف استطاعت أن تفرض كل أجندتها، بالرغم من أن المشروع صار مفصلاً على قياس حماية مصالح السلطة المالية والسياسية، مقابل تحميل المودعين مسؤولية «التفليسة». ولا الأطراف السياسية كانت راضية عن النص المقدم. وللتذكير، فإن النسخة الأخيرة من المشروع (16 آذار 2020) ووجهت باقتراح أغلب الوزراء تعديلات جوهرية عليها. نهاية المشروع، كانت بسحبه من قِبل وزير المالية «بطلب من بري»، على ما يقول وزير الاقتصاد راوول نعمة، وعلى ما تؤكد مصادر مطلعة اعتبرت أن السبب يعود إلى التغيير الجوهري الذي طرأ على المشروع الأساسي الذي سبق أن وافق عليه بري.

في جلسة 28 أيار 2020، وخلافاً للتوقعات، أعلن بري تحويل الاقتراح إلى لجنة المال، بعد ورود ملاحظات من قبل صندوق النقد الدولي ومصرف لبنان. ليكون بذلك قد سقط القانون للمرة الثالثة، بعد تشرين الثاني 2019، وبعد آذار 2020 (في مجلس الوزراء). أما ملاحظات صندوق النقد، فكانت واضحة في الإشارة إلى أن أي «كابيتال كونترول» لا ينبعي أن يكون إلا جزءاً من خطة إصلاحية متكاملة تتناول الملفات الاقتصادية والنقدية والمالية والقضائية دون إهمال الجانب الإداري المتمثّل بسلة الإصلاحات المطلوبة.

أسابيع قليلة عمدت خلالها لجنة المال إلى بحث ملاحظات الصندوق، قبل أن ينام المشروع مجدداً. هذه المرة كانت الأسباب قاهرة، فانفجار المرفأ ثم إجراءات الإقفال العام، أدت إلى إقفال مجلس النواب لأشهر. لكن هل حقاً صار بالإمكان إقرار القانون؟ يؤكد مصدر عمل على إعداد المسودة الأولى له أنه بعد أن هرّب الكل أموالهم لم يعد لديهم مشكلة في إقرار القانون. مصدر آخر يعتبر أن هؤلاء صاروا متحمّسين لإقرار الكابيتال كونترول، لأنهم يدركون أن دعم المواد الأساسية يكاد ينتهي. ولمّا كانوا أنفسهم إما يستفيدون من الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال ملكيتهم أو شراكتهم أو حمايتهم لشركات النفط ومحتكري استيراد الأدوية والمواد الغذائية، فإنهم سيعمدون إلى إقرار قانون كابيتال كونترول باستثناءات تخدم مصالحهم بشكل خاص، وتضمن استمرارهم في تحويل الأموال إلى الخارج.

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقة«اليونيفيل» تتراجع: تجميد كاميرات التجسّس أسبوعاً
المقالة القادمةبيروت… شوارع مُظلمة ومشاريع مُعلّقة