كارثة التلوث النفطي… ما خفي أعظم

عيداً عن الحملة الرسمية والشعبية التي انطلقت قبل يومين لإزالة آثار التسرّب النفطي الذي رُصد على السواحل الجنوبية، ومصدره كيان الاحتلال الإسرائيلي، فإن السؤال الأساس الذي تنبغي الإجابة عنه ما إذا كان مصدر البقع النفطية عرض البحر أو مكاناً قريباً من الشاطئ، وما إذا كانت ناتجة من حادثة انسكاب عرضية (تسرّب من بواخر أو خزّانات ومحطات)، أم عن تدفق من مصادر ثابتة بسبب انفجار أثناء عمليات التنقيب والحفر على سبيل المثال؟ إذ لا يمكن استبعاد أن يكون التسرب من واحد من المواقع (المتعددة والسرية) التي يتم الحفر والتنقيب فيها، وربما يفسّر ذلك الكتمان الذي فرضته سلطات الاحتلال.

حُدّدت البقع النفطية بأنها نفط خام تفكّك وتحوّل بعد اختلاطه بمياه البحر الى نوع من القطران أو الزفت. التقرير الأولي الذي أعدّه المجلس الوطني للبحوث العلمية ويصدر اليوم، بعد مسح ميداني وجوي شمل الشاطئ من الناقورة الى صيدا، بيّن وجود مادة القطران بكثافة عالية قبالة الناقورة والبياضة ومحمية صور، وتخف كثافتها تدريجيا بدءاً من الشاطئ قبالة العباسية وتندر قبالة شاطئ عدلون. قدرت كميات الكتل النفطية التي تجمعت على رمل شاطئ صور بنحو طنين، علماً بأن روايات شهود أكّدت انتشار البقع في بعض الأماكن بعمق يراوح بين 70 و80 متراً عن الشاطئ، ورؤية بقع نفطية صغيرة على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت. ويُرجح أن البقع بدأت بالوصول الى الشاطئ اللبناني بين 6 و10 شباط الماضي، عندما كانت اتجاهات الرياح جنوبية شرقية خلال العاصفة الماضية.

لمسح الجوي لم يقدّم معطيات كثيرة لأن القطران، بعدما اختلط بالمياه ونقلته الأمواج الى الشاطئ، تحوّل الى كتل صغيرة يغطّيها الرمل. إلا أنه أكّد عدم وجود بقع في عمق البحر، ما يعدّ مؤشراً جيداً بالنسبة إلى صيادي الأسماك. إذ إن التسربات النفطية لا تؤثر عادة على الثروة السمكية، لأن الأسماك تسبح بعيدة عنها، إلا أن الضرر الأكبر يقع على الحيوانات البحرية التي لا تستطيع السباحة بعيداً كقنافذ البحر والمحار.

تصنّف المواد النفطية عادة كـ«مواد مسرطنة محتملة». وقد بدأت عمليات التنظيف من دون وجود خطة طوارئ كاملة، لعدم وجود هيئة مختصة ومدربة على مواجهة هذا النوع من الكوارث، ما يثير المخاوف من مخاطر معالجة التسرب بعد مخاطر التسرب نفسه.

وتفترض عمليات التنظيف وضع المواد النفطية المجموعة (من القطران) في أكياس محكمة الإقفال وتجميعها في هنغار آمن. إلا أن السوابق لا تبشّر بالخير، وخصوصاً طريقة إدارة معالجة كارثة التسرب عام 2006، عندما ساد التخبط حول طرق التنظيف، والخلافات على الاستفادة من الهبات المقدمة، والتباين حول مصير المواد التي جمعت، بين ترحيلها الى الخارج أو معالجتها محلياً. وقد غلب يومها خيار الترحيل لأن فيه إفادة مادية، بدل التفكير في إيجاد حلول علمية ووطنية دائمة، لأن هكذا حوادث قد تتكرر في أي لحظة، وخصوصاً أن المنشآت الكبيرة وخزاناتها، منذ أن تقرر أن يكون بلداً مستورداً للمشتقات النفطية، وضعت كلها على الشاطئ. ورغم أن لبنان يعدّ نفسه لكي يصبح بلداً نفطياً لم يفطن أحد الى ضرورة وجود هيئات متخصصة نفتقدها دائماً… بعد وقوع الكارثة!

مصدرجريدة الأخبار - حبيب معلوف
المادة السابقةسلفة الكهرباء في بازار السياسة: سلامة يضيّع الوقت قبل العتمة الشاملة
المقالة القادمةالمصارف تُرمّم “واجهاتها”… والمودعون “يهلكون”