كلفة عيد الميلاد الفلكية: عشاء العائلات اللبنانية الأليم

يأتي عيد الميلاد هذه السنة مثقلاً بأزمات العام الفائت. فالأسعار الخيالية للسلع العائلية الضرورية للعيد، حملت المواطنين على إطلاق صفرات الذهول المعتادة في المتاجر والسبورماركات، متمتمين كلاماً غير مفهوم، فيما هم يتراجعون خطوات إلى الوراء، مرتدين عن الإمساك بالسلع  التي أمامهم وعزفين عن شرائها.

ورغم دبيب الزحمة في شوارع بيروت لمناسبة الأعياد، يقدم قلة من المواطنين على شراء حاجياتهم لعشاء عيد الميلاد وهداياه في أمسية 24 كانون الأول الجاري. حتى أن حركة ارتياد المواطنين المتاجر والمولات تراجعت تراجعاً جلياً عنها في العيد الفائت. فمعظم الرواد يلقون نظرة على الأسعار ويتحسرون، فيما قلة قليلة تقدم على الشراء.

عشاء مستحيل
لنبدأ بعشاء عيد الميلاد العائلي الذي يتضمن عادة حبشة العيد أو فخذ خاروف “جيغو”، وبعض “الشاركوتري” (أجبان ولحوم المقددة مستوردة) وحلوى الميلاد (بوش دو نويل) وأصنافاً من الخضر والفاكهة.

كان سعر حبشة العيد العام الفائت يبدأ من 150 ألف ليرة، ويصل إلى نحو 250 ألف ليرة كحد أقصى. لكن في عيد الميلاد لهذا العام بات ثمن الحبشة 750 ألف ليرة على الأقل، ويصل إلى مليون و300 الف ليرة. وإذا قررت العائلة طهي الحبشة في المنزل، فعليها تكفل ثمنها نيّئة ويبدأ بـ400  ألف ليصل أحياناً إلى 650 ألف ليرة. أما الأرز فكان سعر الكيلو غرام منه نحو 2500 ليرة، وبات 10 آلاف للنوعية الأدنى.

والكارثة تتجلى أيضاً في القلوبات التي تزين الحبشة: فكيلوغرام الصنوبر كان بنحو 90 ألف ليرة وبات اليوم يتراوح بين 550 و600 ألف. الكاجو واللوز والجوز كان بنحو 25 ألف، وبات اليوم أقله بـ80 ألف. وكيلو الكستناء كان بـ12 ألفا، وبات اليوم بأربعين. ما يعني أن الحبشة المعدة في البيت، والتي كانت كلفتها تتراوح بين 150 و200 ألف، باتت اليوم تكلف العائلة أكثر من 500 ألف ليرة، في حال التقشف في بعض مكوناتها.

أما حلوى العيد فحدث ولا حرج. جميع أنواع الحلويات ارتفع ثمنها نحو ثلاثة أضعاف. “البوش دو نويل” مثلاً بات ثمنه فلكياً: النوعية الفاخرة كان ثمنها نحو 150 ألف ليرة، أما اليوم فبات نحو مليون و300 ألف، وأرخص الأنواع بات يبدأ بـ700 ألف ليرة.

والكيلوغرام من اللحوم بات على سعر الدولار المدعوم 3900 ليرة. وهذا يجعل فخذ الخاروف النيّئ يرتفع من نحو 40 ألف ليرة إلى نحو مئة ألف ليرة. ورغم أن الخضر لم ترتفع أسعارها أسوة بالسلع المستوردة، كانت العائلة تدفع نحو 40 ألف ليرة على سلتي الخضر والفاكهة، لكنها باتت اليوم تدفع أقله 120 ألف ليرة.

شراء “الشاركوتري” لتزيين طاولة عشاء العيد بات يقتصر على علّية القوم والأغنياء. فجميع الأجبان واللحوم المقددة مستوردة، وثمنها صار يحسب على سعر دولار السوق: أرخص أنواع جبنة البرميزان باتت بـ120 ألف ليرة للكيلو الذي كان ثمنه العيد الفائت 30 ألف ليرة. وهذا يسري على باقي السلع. فطبق الشاركوتري المؤلف من مئتي غرام من ثلاثة أصناف جبنة وسلامي وجونبون باتت كلفته 350 ألف ليرة، فيما كان في العيد الفائت لا يتخطى الـ60 ألف ليرة.

الهدايا أحلام مضت
أما هدايا العيد فباتت من أضغاث الأحلام. ولنبدأ بهدايا الأطفال: كان بإمكان كل عائلة تقديم هدية للطفل، مثل لعبة “البلاي دوه” (أنواع معجون مع مستلزماتها لصناعة بعض الأشكال) بنحو 20 ألف ليرة، بينما بات ثمنها اليوم على سعر صرف دولار السوق ولا تقل عن 120 ألف ليرة، بحسب المتجر. أما ألعاب منتجات ماركة “فيتيك”، التي كانت تبدأ بنحو 45 ألف ليرة، فباتت اليوم لا تقل عن 250 ألف ليرة. هذا فضلاً عن أن أسعار الماركة واللعبة نفسها تختلف من متجر إلى آخر. ويتجاوز الفرق مئة ألف ليرة. كأن التجار يريدون تعويض خسائر السنة كلها من لعبة عيد واحدة.

وكبار السن ينتظرون هدايا العيد من الأولاد مثل الأطفال. وفي العادة يتفق أولاد العائلة على “لمة مالية” لشراء هدية السنة للأب والأم، لأن هدية الميلاد يجب أن تكون فاخرة. وينتظر الأب والأم حذاء أو محفظة أو بذلة أو فستان أو قطعة ذهب. لكن ثمن الحذاء بنوعية جيدة كان يصل إلى نحو 200 ألف ليرة، فبات اليوم لا يقل عن المليون ليرة. أما فستان الأم أو قلادة الذهب فحدث بلا حرج. وفي ظل تراجع القدرة الشرائية للأولاد بعدما باتت رواتب جميع الموظفين، بمن فيهم الكبار، في الأرض، بات عليهم إما الاكتفاء بتقبيل جبين الآباء والأمهات، أو التقليل من مصاريفهم الخاصة لشراء الهدايا، فيما لم يعد من مصرف واحد يقرض قرشاً واحداً.

العيد الفائت ربما كان آخر الأعياد التي تستطيع أغلب العائلات اللبنانية الاحتفال بها. حينها لم يكن سعر صرف الدولار قد تخطى عتبة الـ2500 ليرة. وكان بإمكان العائلة مجتمعة بكبارها وصغارها، إنفاق نحو مليوني ليرة لشراء عشاء العيد وهداياه. واليوم باتت كلفة هذا العيد لا تقل عن عشرة ملايين ليرة لعائلة مؤلفة من ثلاثة أبناء مع أزواجهم وستة أحفاد مع الجد والجدة.

مصدرالمدن - وليد حسين
المادة السابقةهيئة التحقيق ترفض كشف أسماء المصارف المتورطة
المقالة القادمةسلالة كورونا الجديدة: إجراءات في المطار للوافدين من لندن