لا أزمة خبز لسنة.. وأصحاب المولّدات يُغضِبون وزير الاقتصاد

هي الدوّامة نفسها التي تدور فتصيب المستهلكين بصداع الفواتير والأسعار، والذي لا تداويه تصريحات وزراء الاقتصاد المتعاقبين. فهذه الوزارة يُناط بها ضمان الحماية للمستهلك. لكن انتشار قانون الغاب في البلاد، يطيح بكل محاولات ضبط الوضع. وبعد 3 سنوات من استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، لا تزال وزارة الاقتصاد تستجدي الالتزام بقراراتها. أما محاضر الضبط المسطّرة بحق المخالفين في كل القطاعات، فلا قوّة لها. الأمر الذي دفع وزير الاقتصاد أمين سلام لمطالبة القضاء باللجوء إلى تطبيق عقوبة السجن بحقّ المخالفين، خصوصاً وأن الغرامات المالية بالليرة، باتت بلا قيمة مقارنة مع الأرباح التي يحقّقها التجّار والمستفيدون من الأزمة، ومنهم الكثير من أصحاب مولّدات الكهرباء الخاصة الذين يُغضبون الوزير.

لا أزمة خبز

انعدمت طوابير الخبز أمام الأفران. وعمليات توزيع الطحين تسير على أكمل وجه، وفق ما يؤكّده لـ”المدن”، عضو نقابة أصحاب المطاحن بشار بوبس، الذي يستغرب أي حديث عن أزمة قمح وطحين وخبز. وبرأيه “المخابز لم يعد لديها أماكن إضافية لاستيعاب الطحين”، ما يدلّ على الوفر.

هذه الصورة دعمها وزير الاقتصاد خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الخميس 6 تشرين الأول. مطمئناً خلاله إلى أن “كل الأموال المرصودة لاستيراد القمح، متاحة. والقرض الممنوح من البنك الدولي سيدخل حيّز التنفيذ نهاية الشهر الجاري. وبالتالي، معنا أموال تكفي بين 10 أشهر وسنة. وعليه، لا يوجد خلل ولا يوجد أزمة. والطحين المتوفّر يُوَزَّع بعدالة بين المناطق”.

بالتوازي، حاول سلام طمأنة المستهلكين إلى عدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، بفعل رفع سعر الدولار الجمركي والحديث عن رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألف ليرة. وبنظره “أوضحت وزارة المالية أن قرار رفع سعر الصرف الرسمي لن يُنفَّذ إلا بعد إعداد الدراسات اللازمة. أما الدولار الجمركي، فسيستثنى منه نحو 75 بالمئة من السلع”. ولمزيد من الإيجابية، يشير سلام إلى أنه سيجري إعادة النظر برسوم بعض السلع المصنّفة كسلعٍ فاخرة، لكن تدخل فيها منتجات غير فاخرة.

قَفَزَ الوزير إلى محطات المحروقات، ليعلن أن الوزارة تلاحق المتلاعبين بالأسعار وبالكَيل. طالباً من المواطنين التقدّم بالشكاوى ضد أي محطة لا تلتزم بالنوعية والكمية والأسعار. معلناً أن “رقابة الوزارة تقتصر على المحطة. ولا سلطة للوزارة على ما يجري خارج المحطات من تلاعب بالنوعية والكمية”.

قطاع المولّدات الخاصة

مرَّ الوزير سريعاً على الخبز والمواد الغذائية والمحطات. فالأمور في هذه القطاعات نظَّمَت نفسها بفعل الدولارة التامة وشبه التامة وما بعد دولار السوق. وأفرَدَ الوزير الجزء الأكبر من وقت مؤتمره لمحاولة الاقتصاص من أصحاب المولّدات الخاصة الذين طوَّعَت لأجلهم الدولة قوانينها لتتماشى مع “الظروف الاستثنائية والطارئة”. علماً أن هذا التطويع “ليس مخالفةً للقانون، بل تأميناً للاستقرار والعدالة الاجتماعية وحقوق الناس”، وفق سلام.
ومع ذلك، لم يقابل الكثير من أصحاب المولّدات الخاصة تساهل الدولة بالمثل. فكثرت التجاوزات، وصولاً إلى استيفاء أصحاب المولّدات رسم الضريبة على القيمة المضافة TVA بعد التسجيل في وزارة المالية والحصول على رقم مالي، تحت مسمّى شركة تزاول خدمات تشمل تأمين الطاقة. وهذه الخطوة “هي محاولة لقوننة قطاع المولّدات الخاصة عبر التذرّع بالتسجيل في وزارة المالية ودفع ضريبة القيمة المضافة، وتالياً اكتساب الحق بتقاضي هذه الضريبة من المشتركين. علماً أن بعض أصحاب المولّدات يتقاضى الضريبة بالدولار علماً أن الدولة تستوفيها بالليرة”.

ولمنع هذا التجاوز، جدّد الوزير طلبه من المشتركين “عدم دفع هذه القيمة”. وسأل أصحاب المولّدات عمّا إذا كانوا يدفعون اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويدفعون ضريبة الدخل بما أنهم سجّلوا مولّداتهم في وزارة المالية باسم شركات ويريدون تقاضي الضريبة على القيمة المضافة. وجزم الوزير بأنهم لا يدفعون.
ولمزيد من التعسّف بحق المشتركين، يواصل 90 بالمئة من أصحاب المولّدات، وفق الوزير، استيفاء الفواتير بالدولار أو وفق نظام المقطوعة بدون تركيب العدادات أو الالتزام بتسعيرة وزارة الطاقة.

ولوزارة المالية، توجّه سلام، موضحاً التمييز بين الشركات التي تقدّم خدمات تأمين الطاقة وفق القانون، كمؤسسة كهرباء زحلة، وبين المولّدات الخاصة. فالأولى تم تلزيمها وفق القانون، فيما المولّدات الخاصة ليسوا قطاعاً مقونناً. وطالبَ سلام بـ”إصدار قانون أو مرسوم يوضح العلاقة مع أصحاب المولّدات، وينظّم عمليات الفوترة والالتزام بالعدادات وكل ما يتعلّق بهذا القطاع، وعندها، تُدفَع الضريبة على القيمة المضافة”.

لكن، إذا وصل الأمر إلى هذا الحدّ، يطالب سلام باستيفاء وزارة المالية رسوم الضريبة على القيمة المضافة لهذا القطاع بمفعول رجعي عن 20 عاماً. فهكذا نحمي المستهلك”.

ردّ أصحاب المولّدات

لم يستسغ أصحاب المولّدات ما قاله الوزير. فهؤلاء وجدوا أمانهم بوزارة المالية. فيقول أحد أعضاء تجمّع أصحاب المولّدات الخاصة، بأن “وزارة المالية تقول ما إذا كان وضع صاحب المولّدا هذا أو ذاك قانونياً أم لا”. ويضيف، أنه منذ سنوات يحكى عن هذا القطاع بأنه غير قانوني، لكنه يؤمّن الكهرباء بدلاً عن الدولة. ومع ذلك، يريد أصحاب المولّدات القوننة، وهم يسجّلون مؤسساتهم في وزارة المالية، ووزارة الاقتصاد تعترض، فما هو الحل؟.

ويلفت عضو التجمّع النظر في حديث لـ”المدن”، إلى أن لبّ المشكلة يكمن عند وزارة الطاقة “فهي تضع التسعيرة وتحددها بناءً على أسعار المازوت والزيوت وباقي الأكلاف، أي انها تحدد تلك الأكلاف والأسعار أيضاً، وهي المسؤولة عن قطاع الطاقة، وبالتالي المسؤولية تقع على عاتقها”. اما غير الملتزمين بتسعيرة الوزارة، وقرارات تركيب العدادات، فلا ينفي عضو التجمّع الحق في ملاحقتهم. داعياً إلى عدم وضع الناس في وجه أصحاب المولّدات.

كلٌّ يُغنّي على ليلاه. وزارة الطاقة تُسعِّر، ووزارة الاقتصاد تُلاحق فلكلورياً. وأصحاب المولّدات وأصحاب السوبرماركت والمحطات والأفران والمطاحن، يقولون قولهم الفصل والنهائي في وجه الدولة والزبائن. ومَن لم يُعجبه، فلا داعي لشراء السلعة أو الخدمة المطلوبة. وأمام هذا الواقع، يبقى كلام وزير الاقتصاد حبراً على ورق، أو كلمة في مذياع لا يصل صوته إلى خارج القاعة.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةوزير المال ترأس اجتماعا للتحضير لموازنة 2023
المقالة القادمةأجواء «حرب 6 أكتوبر» تخيم على المشهد العالمي