لا مكانة للصورة التقليدية للرقابة على المصارف في اقتصاد نقديّ

تمّ التداول أمس بخبر مفاده أن مصرف لبنان أحال عدداً من المصارف الى هيئة التحقيق الخاصة. لو سرى هذا الخبر منذ عامين ونصف العام لكان تدبيراً طبيعياً ضمن روتين الرقابة الطبيعي الذي يقوم به مصرف مركز. لكن أن يُتخد إجراء مماثل اليوم والبلاد في قعر الإنهيار فهذا يطرح تساؤلات حول الأسباب التي تكمن وراء إحالة «المركزي» تلك المصارف في هذا التوقيت بالذات الى التحقيق؟ هل لذلك علاقة ببدء تقييم مجموعة العمل المالي (FATF)، حول مدى جهوزية لبنان لتطبيق المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والخشية من إدراجه على اللائحة السوداء؟ أم أن ذلك يأتي تزامناً مع بدء عملية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟

يحقّ لمصرف لبنان في الأيام العادية وضمن الروتين القانوني المسموح به إحالة مصارف الى هيئة التحقيق الخاصة أو الى الهيئة المصرفية العليا في حال حصول قصور ومخالفة للأصول المنصوص عنها في القانون. ويوضح رئيس لجنة الرقابة السابق على مصرف لبنان سمير حمود لـ»نداء الوطن» انه يحال مصرف الى الهيئة المصرفية العليا في حال ثبوت «قصور أو تقصير أو عجز في الملاءة أو عدم زيادة رأس المال، ووفقاً لقرارات المجلس المركزي في مصرف لبنان ممكن إحالة المصرف الى الهيئة المصرفية العليا».

أما في حالات التدقيق بعمليات تبييض اموال، أو التحقق من مصادر الأموال وعدم قبول تدفقات نقدية ووجود عملاء وزبائن مشبوهين… فيتم ذلك من قبل هيئة التحقيق الخاصة التي تدرس وتقيّم ضمن نظام المراقبة وتدقق في العمليات التي قام بها المصرف، وفي حال كان دون المستوى المطلوب عندها تطلب إحالته الى الهيئة المصرفية العليا.

وعاد حمود الى الماضي فقال «لجنة الرقابة على المصارف لم تكن تقبل بحصول أي قصور في ملاءة المصارف والسيولة والربحية والحوكمة . فاذا كان هناك قصور كنا نحيل المصرف الى الهيئة المصرفية العليا ولا نقبل أن يكون نظام التدقيق ضعيفاً، اذ كنا أيضاً نحيله الى الهيئة المصرفية العليا وهيئة التحقيق الخاصة اذا تبين لنا من خلال عمليات المراقبة والتدقيق الميداني للمصرف أن هناك ضعفاً في رقابته بالنسبة الى مسألة تبييض الأموال، ومصادر الأموال ووجود أموال مشبوهة».

غسالة تبييض أموال في كل شارع

وسأل: «أي سيولة أو ربحية أو حوكمة نتكلم عنها اليوم وأي تدقيق في الرقابة على الأموال المشبوهة، اذ أصبح الإقتصاد بأكمله نقدياً واحتمال وجود غسالة تبييض أموال في كل شارع من شوارع بيروت؟».

وأضاف: «المصارف عطشى وتتضوّر جوعاً للحصول على الدولار النقدي والزبائن لا يستطيعون التداول في السوق وحتى مع المصارف الا بالدولار النقدي أكان ذلك في عمليات الإستيراد أو من خلال التحاويل المصرفية الى الخارج.

وبالتالي لا مكانة للرقابة في ظلّ اقتصاد نقدي بمعظمه وبسواده الأعظم. وبالتالي إن إحالة مصرف الى هيئة التحقيق الخاصة أو الى الهيئة المصرفية العليا، يعتبر باباً من أبواب استمرارية النمط المتبع في الماضي، وإثبات وجود للجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة والهيئة المصرفية العليا في حين أن الهيكل بأكمله تهدم. بذلك باتت الرقابة تمارس على وحدات هيكلها أصبح موضع تساؤل وشكّ».

وحول توقيت اتخاذ مصرف لبنان تدابير إحالة الى هيئة التحقيق الخاصة بحق المصارف مع انطلاق التدقيق الجنائي، قال حمود، «في توقيتها ليس هناك من رابط بين الإثنين اذ أن التدقيق الجنائي يتعلق بحسابات مصرف لبنان مع المصارف والوزارات وفي العمليات الهندسية التي جرت، ووضع مصرف لبنان بميزانيته بما يسمى بهذا العجز أو الفجوة الموجودة بالقطع الأجنبي ومراكز القطع الأجنبي وسوق القطع». وأشار الى أن «الرقابة التي كانت تمارس بالعادة كانت على حسابات المصارف والزبائن لإبقاء السوق اللبناني نظيفاً يتناسب مع المعايير الدولية ولا سيما مع الغربية كون علاقاتنا كانت مع بيوت المال الدولية والغربية».

من هنا شدّد على ضرورة «اعادة المعايير التي كانت متبعة في السابق لمواجهة مشاكل حقيقية يواجهها القطاع المصرفي في الوقت الحاضر ولا سيما توحيد وسائل الدفع فنوقف التعدّدية في الأساليب المتبعة، فالشيك بالليرة اللبنانية يختلف عن النقد اللبناني ، والشيك بالدولار هو غير الدولار النقدي، والشيك المصرفي الداخلي هو غير الشيك المصرفي الخارجي، والمصارف لا تقبل فتح حسابات جديدة وتحويل اخرى من مصرف الى آخر…كل ذلك ليس سوى من الأساسيات والبديهيات في العمل المصرفي وأصبح اليوم مضروباً».

عمليات الـ FATF

بدوره استبعد المحامي ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر خلال حديثه الى «نداء الوطن» ان يكون لمراقبة ومحاسبة المصارف اي علاقة بمسار التدقيق الجنائي، وقال إنه «يرتبط بعمليات التدقيق بـ»الفاتف» FATF وهي منظمة حكومية دولية مقرها باريس تعنى بمراقبة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وكانت بدأت تقييماً لعدد من الجهات في لبنان للتأكّد من جهوزيتها لتطبيق المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي وضعتها المنظّمة.

وتشمل العملية كل الأطراف المذكورة في قانون تبييض الأموال، سواء المصارف أو المؤسسات المالية، أو أي جهة أخرى مُلزمة بالتصريح عن وجود مثل هذه العمليات، مثل المحامين، الكتّاب العدل، مدققي الحسابات، وربما قطاعات أخرى مثل تجار المجوهرات وغيرهم. وبموجب هذا التقييم، سيتم تصنيف كل شركة أو طرف تبعاً للمعايير التي وضعتها المنظمة مثل مراقبة مدى تطبيق «اعرف عميلك». وأضاف ضاهر «كما تندرج إحالة مصارف الى هيئة الرقابة في خانة إظهار المتابعة والدراية والإمتثال وبمجموعة العمل المالي الدولية (غافي)».

واعتبر أن إحالة مصارف الى هيئة التحقيق الخاصة يتمّ في حال مخالفة اي من احكام وموجبات القانون رقم 2001/318 المعدل بموجب القانون رقم 44 تاريخ 2015/11١/24 والمتعلق بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. اي عدم الإمتثال و/او عدم التتبع و/او عدم الابلاغ.

ووفقاً لأحكام القانون على «الهيئة» أن تنبه الجهات التي تخالف أحكام النصوص التنظيمية لتطبيق أحكام القانون وأن تطلب تقارير تنظيمية منها عن التدابير التي تتخذها تصحيحاً لأوضاعها كما يمكنها إحالة هذه الجهات الى الهيئة المصرفية العليا ومراسلة سلطات الوساطة أو الإشراف بشأن المخالفين. ويمكن للهيئة المصرفية فرض غرامة مالية على المحالين اليها لعدم تقيدهم بالنصوص التنظيمية الصادرة لتطبيق أحكام هذا القانون على ألا تزيد عن مئتي ضعف الحد الأدنى للأجور الرسمي وتستوفى هذه الغرامات لصالح مصرف لبنان.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةمع رواتب أو من دونها: موظفو الدولة بلا غطاء
المقالة القادمةفاتورة الخلوي خمسة أضعاف… و”هيركات” على الشحن المسبق