لبنانيون يجرّبون الذَّهَب مع الدولار: خلطة مُربحة

شجّعت الأزمة الكثير من اللبنانيين على استعمال الدولار لتأسيس ما يشبه المهنة، خاصة بالنسبة للشباب العاطل عن العمل. ومع ارتفاع سعر الذهب عالمياً، دخل بعض اللبنانيين على خط الإتجار به من خلال البيع والشراء لتحقيق مكاسب بالدولار المرتفع.

الربح كبير بالنسبة لمن اشترى ذهباً في العام الماضي أو ما قبله، وتحديداً من اشترى أونصة أو ليرات ذهبية، لأن هامش الخسارة فيها ضئيل جدا في حال بيعها، مقارنة مع الذهب المشغول، أو الحليًّ. فكثيرون اشتروا الذهب بالليرة اللبنانية في العام 2020 حين كان سعر الأونصة نحو 1800 دولار، وبرغم فارق سعر الصرف حينها، إلاّ أن الربح اليوم بالدولار يصل إلى نحو 200 دولار. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الربح لم يكن بالحسبان، لأن من يشتري الذهب عادة ما لا يشتريه بهدف التجارة لأن حركة أسعاره بطيئة ومداها بعيد، فتبقى الاستفادة معلّقة على حصول أحداث عالمية. لكن في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان، فإن تحقيق ربح يساوي 200 دولار، مرحَّبٌ به في أي لحظة.

ومع ذلك، “ما زال الناس لا يعرفون متى يشترون ومتى يبيعون. بل يتعاملون مع الذهب بمبدأ ردّة الفعل أو الصدمة”، يقول أحد تجّار الذهب في سوق مدينة صور. ويشرح في حديث لـ”المدن”، أنه طوال سنتين كان سعر الذهب منخفضاً مقارنة مع اليوم، ومع ذلك لم يشترِ الناس بهدف التجارة، “لكن مع ارتفاع الذهب حالياً، ركض الجميع ليشتري بسعر مرتفع في حين كان من المفترض بهم البيع بسعر مرتفع، إذ تخطّى سعر الأونصة 2000 دولار. ومع بدء تراجع السعر، تهافت هؤلاء على بيع ما اشتروه خوفاً من التراجع الإضافي، مفضّلين بذلك خسارة ضئيلة على الخسارة الأكبر في حال احتفاظهم بالذهب، فقد يطول الارتفاع الكبير لسنة أحياناً”.

والتعاطي مع الذهب يختلف عن الدولار الذي فهم الناس حركته واتقنوا فنَّ البيع والشراء، معتمدين على التقلّب السريع سواء للارتفاع أو الانخفاض، فيسهل عليهم اتخاذ قرار البيع أو الشراء. لكن برغم ذلك، كثيرون حققوا أرباحاً تخطّت 3000 دولار، بفعل مجموعة كبيرة من الأونصات والليرات المشتراة بأسعار منخفضة. ويمكن لهؤلاء انتظار انخفاض سعر الذهب ليعيدوا الشراء، خاصة وأن تلك الأموال كانت بحكم المجمّدة أو الميتة. ويمكن استعمال جزء من الأرباح للاستهلاك وجزء آخر لشراء الذهب لاحقاً.

انعكس تراجع الثقة بالقطاع المصرفي إيجاباً على سوق الذهب في لبنان “فمن كان يدّخر مالاً في المصارف، بات يدّخرها بالذهب، فارتفعت حركة السوق بين 30 إلى 35 بالمئة مقارنة مع الفترة التي سبقت الأزمة”. ومع استمرار الضبابية التي تلفّ مشهد القطاع المصرفي في ظل تصاعد الأزمة، من غير المرجّح استعادة الثقة بالقطاع، ما يعني أن الناس “يبحثون عن مكان آمن لحفظ أموالهم، وهو الذهب بالدرجة الأولى، لأن الاستثمار في مشاريع أخرى محفوف بالمخاطر. ومَن لا يملك امكانية فتح أي مشروع، سيتّجه للذهب. كما أن المبالغ الموظَّفة في شراء الذهب ليست كبيرة، وقد لا تساعد في تأسيس استثمار”.

وعموماً، المستفيدون من ارتفاع سعر الذهب هُم الأفراد والعائلات ذات الدخل المحدود. وهؤلاء يحتاجون فارق الربح بالدولار للاستهلاك. ويحصل أن يستفيد البعض من ارتفاع سعر الذهب ورواج تجارة الدولار لتحقيق المزيد من الأرباح.

تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الذهب كبديل للدولار، وإنما يمكن استعماله ككابح نفسي لتبديد الدولار سريعاً، فهناك اعتقاد بأن حمل العملة يؤدي إلى استسهال الشراء بها، فيما استبدالها بالذهب يحفظها، وهو عامل نفسي لا أكثر، لأن الحاجة للمال ستولّد الحاجة لبيع الذهب. على أن من يشتري الذهب حالياً، يتّجه إلى الأونصة والليرات وليس إلى الحلي المشغولة، لأن بيع الأخيرة لاحقاً، ينطوي على خسارة أكبر.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالاقتصاد العالمي في مرمى نيران الركود التضخمي
المقالة القادمةالعملة السورية تهبط..الدولار يلامس ال4 آلاف ليرة