لبنان بعد قمة جدّة: تحديات الكهرباء وسعر الصرف

تدخل دول الخليج والعراق ومصر والأردن في حلف “طاقويّ”، في وقتٍ يهتزّ فيه استقرار وضع الطاقة والنفط والغاز إثر الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على العالم. وتعود السعودية بقوة إلى مركز الثقل العربي وتنتزع من الولايات المتحدة اعترافاً غير صريح بذلك، حتى الآن. فالرئيس الأميركي جو بايدن ما زال ينتظر قراراً سعودياً بشأن زيادة إنتاج النفط، فيما وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد أكّد انه “سبق وأعلنا زيادة إنتاج النفط إلى 13 مليون برميل يومياً ولن يكون لدينا أي قدرة للزيادة أكثر”. وهذا دليل على ارتياح في الموقف السعودي.
وبذلك، ليس صدفة أن تحمل قمة الرياض التي اختتمت أمس السبت 17 تموز، عنوان “الأمن والتنمية”، وأن يحضر على طاولتها بقوة، نقاش النفط والمصادر المتجددة للطاقة.

قراءة سطحية

الدول العربية الأقوى في مجال الطاقة قد تقاربت تحت مظلة سعودية، لكن لبنان بقي خارجها، لا بل يقدّم مسؤولوه قراءة سطحية للمواقف الصادرة عن القمة، ولا سيّما السعودية منها. وفي ذلك تجاهل تام لما هو مطلوب عربياً ودولياً.

البيان الختامي للقمة، أكّد دعم القادة العرب لـ”سيادة لبنان وأمنه واستقراره”، وهذا يُعدُّ دعماً عاماً للبنان. أما في العمق، فأشار القادة إلى دعمهم “جميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي”. كما أشادوا بـ”جهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية”. وبعد الترحيب بالدعم الأميركي والكويتي والقطري، رحّبَ القادة العرب بـ”الدعم الذي قدمته جمهورية العراق للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية في مجالات الطاقة والإغاثة الإنسانية”. والتطرّق إلى الدعم العراقي يحمل بُعداً يؤكّد على الضفة التي يقف عليها العراق إلى جانب دول الخليج سياسياً، وعلى أهمية النفط الذي يأتي منه إلى لبنان لتشغيل معامل الكهرباء. وبالتالي، فإن الفقرة المخصصة للبنان في بيان القمة، تلخّص ما يريده العرب من لبنان، وهو الإصلاح الاقتصادي والعودة السياسية إلى الإطار العربي، بدءاً بتمكين الدولة وتعزيز دور مؤسساتها وجيشها.
أما التلقّف اللبناني للبيان، فجاء سطحياً جداً، وتمثّل بتصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، “ثمّن” فيه ما ورد في بيان قمة جدة، وكأن الحكومة وأطراف السلطة، يعملون كخلية نحل لإجراء الاصلاحات. علماً أن مخزون الفيول اللازم لانتاج النفط في معمل دير عمار سينفد قريباً، وكان معمل الزهراني قد خرج عن الخدمة منذ فترة وجيزة. فيما معضلة تجديد عقد استيراد زيت الوقود من العراق لم يُحسَم بعد، واستيراد الكهرباء الأردنية والغاز من مصر، تبتعد مع الوقت.

وعلى خطّ العملة، فالتدهور مستمر وخطة التعافي في مهب الريح والمصارف تواصل فرض شروطها والتفاوض مع صندوق النقد غير واضح المعالم، وتوحيد أسعار الصرف غير وارد، لا بل تكرّس الدولة التعددية من خلال تسعير الاتصالات والانترنت وفق منصة صيرفة، فيما لا يزال السعر الرسمي هو الأساس في كافة التعاملات الأخرى، إلى جانب سعر السوق السوداء.

أزمة داخلية

تبحث السلطة السياسية ملفات تغيّر الواقع الحالي، ومنها الكابيتال كونترول والرسوم الجمركية ورفع تعرفة الكهرباء وإعادة هيكلة القطاع المصرفي… وغيرها. إلاّ أن انعدام الرؤية الواضحة لآلية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وكيفية مواجهة تداعيات الانتقال على الغالبية العظمة من الشعب اللبناني، الذي فقدت رواتبه وأجوره 90 بالمئة من قدرتها الشرائية، يجعل ما تبحثه السلطة، ليس الّا مجرّد انتقال من فوضى إلى فوضى أخرى.

هذه الحقيقة تجعل لبنان في عزلة عن المتغيّرات الحاصلة في المحيط العربي وفي باقي دول العالم، في حين أنه يحتاج إلى خيوط تنقذه من الغرق بعد نحو 3 سنوات من فشل الوصول إلى حلّ للأزمة. وذلك على عكس العراق الذي سارع إلى إنهاء عزلته السابقة التي دخلها إثر الغزو الأميركي وما تبعه من صراعات داخلية. فأكّد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن العراق “نجح في إنهاء العزلة وأخذ دوره الطبيعي في علاقاته مع دول المنطقة والعالم”. والعراق اليوم، يقول الكاظمي، يركّز على “ملفّ المياه والتغيّرات المناخية والشراكة في موضوع الطاقة والرّبط الكهربائي، والشراكات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة”. وهي ملفات لا يعيرها لبنان اهتماماً في الوقت الراهن، ومع ذلك، يصرّ على أنه يتّجه نحو الإصلاح. والموقف الحالي للعراق من التغيّرات الدولية وقراره بعدم السباحة عكس التيار العربي، قد يؤثّر سلباً على قرار تجديد اتفاقيته مع لبنان إذا أصرّ الأخير على ثبات مواقفه، سواء المتعلقة بالاصلاحات الاقتصادية أو المواقف السياسية.

لا يبدو أن لبنان سيلحق المتغيّرات الإقليمية والدولية. وأي قفزة في مجالات الطاقة والاستثمار للدول المحيطة، ستعمّق ابتعاده وتستدعي منه المزيد من التنازلات وتحدث الكثير من الأضرار، لن يدفع ثمنها إلاّ المواطن والاقتصاد. ولن تنفع كثرة القمم والمؤتمرات في فك عزلته، ما لم يتخلّص من عقبته الداخلية الأساسية، وهي الفساد. فمليارات الدولارات تبخّرت بعد جملة قمم ومؤتمرات، أشهرها مؤتمرات باريس.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالشركات الصغيرة والمتوسطة: خيار الطاقة البديلة لانقاذ أعمالنا
المقالة القادمةلحاملي الاسهم خارج لبنان: أموالكم بالدولار نقداً فاحذروا ألاعيب بعض المصارف