لبنان يطارد القيمة المتلاشية لليرة في السوق السوداء

رضخت السلطات النقدية في لبنان للأمر الواقع مرة أخرى في مطاردتها للقيمة المتلاشية للعملة المحلية في السوق السوداء، في مسعى جديد يرى المحللون أنه يأتي في سياق مجاراة التقلبات الاقتصادية المتسارعة.

وأعلن مصرف لبنان المركزي الثلاثاء عن خفض حاد لقيمة الليرة إلى 38 ألف ليرة للدولار على منصته للصرافة (صيرفة)، وهي محاولة لتخفيف انخفاض العملة إلى مستويات قياسية في السوق الموازية.

وقال البنك في بيان “يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر صيرفة (عند) 38 ألف ليرة للدولار ويمكن للأفراد والمؤسسات ودون حدود بالأرقام أن يتقدموا من جميع المصارف لتمرير هذه العمليات وذلك حتى إشعار آخر”.

وأضاف إن “تخفيض قيمة الليرة خلال فترة الأعياد يرجع إلى عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود”.

وبلغ سعر الدولار في منصة صيرفة 31.2 ألف ليرة في الثالث والعشرين من ديسمبر الجاري، وهو آخر يوم تداول.

ويُعد سعر الليرة في منصة صيرفة أحد أسعار الصرف المتعددة في السوق المحلية، ويشمل ذلك السعر الرسمي الذي توقف فترة طويلة عند 1500 ليرة للدولار.

وتجاوز سعر الليرة أكثر من 47 ألفا للدولار في السوق الموازية، التي يعد سعر الصرف فيها الأكثر استخداما في البلاد، وفي مكاتب الصرافة.

لكن تجار العملة قالوا إن سعر الليرة انخفض إلى ما دون 43 ألفا في غضون دقائق من إعلان المصرف المركزي.

وتطبق السلطات النقدية سعرا ثابتا لصرف الدولار منذ العام 1997، لكن مع اشتداد أزمة شح الدولار وتبخر الاحتياطات النقدية لم تجد بيروت بدا من دخول مغامرة خفض “مقنع” للعملة المحلية والتي تبدو محفوفة بالمخاطر.

وبالإضافة إلى أسعار الصرف الرسمية والموازية في السوق، أوجدت السلطات العديد من الأسعار الأخرى خلال الأزمة، ومنها أسعار غير ملائمة طُبقت على السحب بالليرة من الودائع بالعملة الصعبة في النظام المصرفي المجمد.

وفقدت الليرة أكثر من 95 في المئة من قيمتها منذ انهيار النظام المالي في 2019 في أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها ألقت بثمانية من بين كل عشرة أفراد بلبنان في براثن الفقر بينما يقول البنك الدولي إن النخبة في البلاد هي من دبّرتها.

ودأب المركزي على إصدار قرارات لسد الفجوة في قيمة الليرة بهدف وضع حد لانخفاضها مؤقتا بيد أنها استمرت في الانخفاض بشكل مطرد لفترة طويلة.

ويقول المحللون إن مرد ذلك هو فشل السياسيين في تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تطلق برنامج صندوق النقد الدولي، الذي يُنظر إليه على أنه ضروري للتعافي من الأزمة.

وربط البعض ما يحدث بعدم قدرة الحكومة على التجاوب مع الارتدادات التي عمّقت من أزمات الاقتصاد المنهار، مما فاقم من معاناة اللبنانيين في ظل شلل نشاط الأعمال وعدم قدرتهم على سحب ودائعهم والأهم التضخم القاسي.

ولا يبدو أن الخلافات السياسية هي وحدها التي تقف أمام القيام بأيّ خطط إصلاحية طال انتظارها للحصول على قرض من صندوق النقد بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وإنما الجانب الأكبر له علاقة باستقرار السوق المحلية حتى مع وضعها السيء.

وتعاني كافة مناطق البلاد من ارتفاع كبير في معدل التضخم، وسط تدني دخول ورواتب المواطنين، بل واضطر الكثيرون منهم إلى الاعتماد على التحويلات الخارجية من ذويهم أكثر مما كان عليه الأمر في السابق.

ويشكل انخفاض الليرة أكثر صدمة للبنانيين، وبالأخص الطبقة الفقيرة، بعدما انهارت قدرتها الشرائية بشكل أكبر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع العام الجاري مع تضخم قياسي يصل إلى أكثر من 170 في المئة بحسب ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.

وخلال عامي الأزمة الصحية ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 600 في المئة، وفق الأمم المتحدة.

وجرّاء نضوب احتياطي مصرف لبنان المركزي بالدولار، شرعت السلطات منذ أشهر في رفع الدعم تدريجيا عن سلع رئيسية أبرزها الوقود والأدوية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالحرب تُقلل من صخب صفقات التكنولوجيا المالية في الأسواق
المقالة القادمةالمركزي اللبناني: انخفاض قيمة الليرة بـ«السوق السوداء» يرجع للمضاربة وتهريب الدولار