الحرب تُقلل من صخب صفقات التكنولوجيا المالية في الأسواق

ألقت أحدث التقييمات حول صناعة التكنولوجيا المالية بظلال قاتمة حول وضعية الأسواق التي تضررت جراء التقلبات الراهنة، على الرغم من أن البعض من الخبراء يرجحون استبعاد دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود.

وأفسحت حالة الهدوء التي سادت الصيف الماضي المجال لعقد المدراء التنفيذيين اجتماعات حول وضع الميزانيات قبل العام الجديد، في محاولة لمعرفة التوازن الصحيح بين الحاجة المستمرة إلى النمو على ما يبدو، بل والحاجة إلى التحلّي بالحكمة.

ولا يرغب المستثمرون أمثال هؤلاء في تفويت فرصة قد لا تأتي مرة أخرى والتي تقدّمها الشركات الناشئة مع أن الصفقات تستغرق وقتا أطول مما كانت عليه قبل عام، عندما كانت التكنولوجيا المالية من بين أهم القطاعات بالنسبة إلى أصحاب رأس المال المغامر.

وبحسب خبراء سي.بي إنسايتس فإن تمويل شركات التكنولوجيا المالية (فينتك) عالميا حطم أرقاما قياسية خلال العام الماضي بعدما استحوذت الشركات الناشئة في هذا المجال على دولار واحد من كل خمسة دولارات خصصت لشركات رأس المال الجريء.

ومع ذلك، كانت هناك علامات على التباطؤ والاندماج هذا العام أعادت الاستثمارات إلى مستويات عامي 2018 و2019، وفقا لشركة الاستثمار فينش كابيتال الأوروبية.

وانخفض عدد الشركات الجديدة الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية التي تأسست في المنطقة بنسبة 80 في المئة مقارنة بالعام السابق، وتراجع بشكل أكثر من الذروة التي سُجّلت في عام 2018.

وقال خبراء فينش إن “الاكتتابات العامة الأولية تقلصت بواقع 70 في المئة، مما يعكس جزئياً الجفاف الذي أصاب السوق في الظهور الأول بأسواق الأسهم”.

وتجرّعت شركات رأس المال المخاطر العملاقة مثل سوفت بنك وتايغر غلوبال مانجمنت ألم تراجع التقييمات، حيث تحاول الشركات التابعة لمحافظها التحول من النمو السريع إلى الربحية.

ومع ذلك، لا تزال هناك شهية للصفقات بعد “النمو المذهل، وربما المحموم” في عام 2021. ويمتلك المستثمرون في التكنولوجيا المالية رقما قياسيا قدره 28 مليار دولار من رأس المال غير الموزع.

ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى مايكل تريسكو الشريك في شركة إيت رودز فنشرز قوله “لقد ساد التحول في مستوى الصخب. العام الماضي، كان الاستثمار أشبه بحضور مهرجان. هذا العام، أنت في مجال أصغر، حيث يقل الصخب”.

ويبدو أن العام الماضي يشير إلى نهاية حقبة النمو السريع للتكنولوجيا المالية، والتي تعززت بفضل أسعار الفائدة المنخفضة التي جعلت التمويل رخيصا، وجائحة غيّرت سلوك المستهلكين.

وبالنسبة إلى الشركات الناشئة التي تجمع الأموال، كانت هناك في الأساس فورة بيع حيث تمكّنت من إدارة أموالها بشكل جيد، مما جعلها تكون قادرة على التأقلم.

ولكن خبراء يؤكدون أنه “إذا نظرت إلى الأمر على أنه الوضع الطبيعي الجديد، فقد بدا الأمر كما لو أنهم يمضون (الشركات الناشئة) إلى استفاقة على كابوس”.

وتقول أوفيليا براون من شركة بلوزوم كابيتال “كانت وجهة نظرنا دائماً أن عام 2021 لم يكن مستداماً”.

في المقابل، قال هاري بريغز من شركة أوميرز فنشرز للاستثمار والتي تركز على التكنولوجيا، إن هذا العام يمثل “عودة إلى الرُّشد” ويمكن أن يؤدي إلى بيئة تمويل أكثر صحة للشركات الناشئة التي تحمل توقعات أكثر واقعية.

وأضاف “كان الكثير من الأموال يُهدر على زيادة عدد فرق العمل والمكاتب باهظة التكلفة والأشياء غير المهمة حقا، والتي غالبا ما تؤدي إلى إبطاء أداء الموظفين إلى حد كبير”.

ويرى أن تقييمات التكنولوجيا المالية من المحتمل أن تنخفض أكثر. وقال “أعتقد أن الشركات الناشئة تزدهر في ظل ندرة”.

وكان هناك تحول في المعنويات هذا العام، حتى من أكبر رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا المالية وأكثرهم تفاؤلا. ولم يعودوا يتحدثون عن الطروحات الأولية، بينما أُجبر البعض على خفض إنفاقهم.

وأعلنت كلارنا، منصة الشراء الآن والدفع لاحقا، في مايو الماضي أنها ستستغني عن 10 في المئة من موظفيها، وبعد شهرين تمكنت من جمع تمويل جديد بنحو 800 مليون دولار، مما أدى إلى تقييم 6.7 مليار دولار فقط، انخفاضاً من 45.6 مليار دولار قبل عام.

وفي خضم ذلك، قلصت شركة المدفوعات تشيك آوت دوت كوم مؤخراً تقييمها الضريبي الداخلي إلى 11 مليار دولار.

ويرى البعض من خبراء القطاع أن الشركات الناشئة الأصغر حجما قد لا تتأثر بنوبات الهبوط التي تُقدّر بمليارات من الدولارات، إلا أن التحركات الدراماتيكية في الفئة العليا من الشركات بالسوق عززت الشعور بالحذر بشأن خطط النمو.

وقال جيبي زينك، الشريك في شركة رأس المال المغامر نورث زون التي استثمرت في كلارنا، إنه “بالنسبة إلى المؤسسين وفرق القيادة، سيظل النقد والطريق نحو الربحية يحتلان الصدارة، خاصة في مراحل النمو”.

وبسبب هذا التحول فإن العمل على جعل كل عملية بيع مربحة أصبح الآن “جوهر عملية التأسيس”، وفقاً لما ذكره ريموس بريت من شركة رأس المال المغامر لوكال غلوب.

وقال بريت في تصريح لبلومبيرغ إنه “كان يشجع المؤسسين على بناء خطة تأخذ في الحسبان ملاءتها المالية لمدة ثلاث سنوات بدلا من عامين قبل جمع التمويل مجددا، وذلك في ظل حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد”.

ورغم كل هذا، فالأمر ليس كله تشوبه الكآبة والتقشف. فقد أنهى مايكل سيدغمور الشريك في برودهافن فنشرز ومقرها في سان فرانسيسكو، رحلة مدتها ثلاثة أسابيع في أوروبا لاستكشاف صفقات.

واختتم الزيارة برحلة إلى لندن لمشاهدة مباراة كأس العالم بين المغرب وإسبانيا ومناقشة الثروات المتباينة للشركات الناشئة والشركات ذات الباع الطويل هذا العام.

ويقول سيدغمور إنه رغم أن التمويل في المرحلة المتأخرة قد تراجع، وانخفضت شركات يونيكورن إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2020، فإن الاستثمار في المرحلة المبكرة مستمر في الزيادة.

وأكد أنه لا يزال متحمساً إزاء منظومة شركات التكنولوجيا المالية الأوروبية، ولا يزال هناك “الكثير من الشركات عالية الجودة التي تحل المشكلات الكبيرة هناك”.

وحرصت شركات على الإشارة إلى جوانب مُشرقة أخرى. ففي قمة أسيل للتكنولوجيا المالية خلال ديسمبر الجاري، أثار الشريك لوكا بوكيو قضية مفادها أن القطاع أصبح بشكل متزايد جزءا مهيمنا ضمن المنظومة التقنية رغم تضرر التكنولوجيا المالية بشدة.

ووجدت شركته أنه على مدار العقد الماضي، تدفقت أكثر من 200 مليار دولار إلى قطاع التكنولوجيا المالية على امتداد أميركا الشمالية وأوروبا، متوقعا أنه لا يزال هناك المزيد في المستقبل.

ويرى مستثمرون أن العام الماضي شكّل مرحلة مفصلية للقطاع وهو يمضي في حالة النضج، فالمزيد من الدولارات ينفق في المجالات المناسبة مثل طبقات البنية التحتية للتكنولوجيا المالية، والتي وفّرت صفقات أعمال لجوليا أندريه الشريكة في إندكس فينشرز.

وحسبما ترى أندريه، التي قضت مؤخراً وقتاً في المناقشات مع مؤسسين في إستونيا، فإن “السوق حاليا للمشترين”، وتدور فلسفتها حول أن الأوقات الصعبة تعني أن الشركات يجب أن تركز على ما هو مهم. وقالت “تاريخيا رأينا شركات كبيرة تُؤسس في هذه الأوقات”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالمقاولات التركية تسعى لاقتناص فرص الانفتاح على أسواق الخليج
المقالة القادمةلبنان يطارد القيمة المتلاشية لليرة في السوق السوداء