لبنان يُنافس فنزويلا في أدنى المراتب الدولية

بحسب مؤسسة التصنيف الدولية – Emerging Finance EMFI – وصل تسعير اليوروبوندز اللبناني إلى 9.2 سنتات، في الوقت عينه فإنّ تسعير اليوروبوندز في فنزويلا كان 9.5 سنتات. هذا يعني أنّ سعر اليوروبوندز اللبناني وصل إلى أدنى تسعير في العالم ولا يزال يستمر في هذا الانهيار المخيف والممنهج.

كنّا نتخوّف منذ سنوات عدّة من كابوس الأزمة الإقتصادية والإجتماعية في فنزويلا، وكنا نرى على الشاشات مواطني هذا البلد يحملون أكياساً من العملة الوطنية لشراء بعض حاجاتهم، أو حتى لدفع ثمن فنجان قهوة. فها نحن اليوم، نلاحظ أنّ هذا الكابوس أصبح حقيقة مُرّة من الصعب تقبّلها.

لبنان سار على الطريق عينه في الانهيار الدراماتيكي وفقدان قيمة العملة الوطنية والسيولة وطوابير الذل، لتأمين أقل متطلبات العيش اليوم. وحُفرت هذه الفجوة بأياد داخلية.

نذكّر بأنّ فنزويلا بلد غني جداً بالغاز والنفط والذهب والمعادن وكل المشتقات التابعة لها، والتي كان يُمكن أن تجعل منها من أغنى الدول في العالم، ورغم ذلك، فهي تواجه أزمة هي من أصعب الأزمات الإقتصادية والإجتماعية. والعبرة من ذلك أنّ الموارد الطبيعية والمداخيل ليست هي التي تبني البلاد والثروات، لكن ما يُدمّر كل شيء هو الإدارة السيئة والنيات الغامضة والفساد المستشري والسرقة المستدامة.

هذا يعني أنه من دون حوكمة رشيدة وإدارة صلبة وشفافية، لا يمكن بناء البلاد، مهما كانت مداخيلها وثروتها طائلة لن تكفي لإنعاشها.

اما في لبنان، فتكثر الوعود والأحاديث الفارغة عن تنقيب عن الغاز، وهي لا تزال وهماً مطموراً في أعماق البحار ورهينة صراعات دولية.

لسوء الحظ، حتى لو تحوّلت هذه الأحلام أو الأوهام إلى حقيقة على المدى البعيد، لا نستطيع الإستفادة من هذه الموارد الطبيعية في هذه الأجواء الفاسدة. فالموارد التي نملكها اليوم وهي الموارد الإنسانية والإبتكار والنمو، قد دُمّرت وانهارت. وهذا المشهد سيتكرّر حيال أي موارد طبيعية أخرى.

علينا أن نتذكر التاريخ الأسود وهو 7 آذار 2020، حين قرّرت الدولة اللبنانية رسمياً التمنّع عن دفع مستحقاتها، التي كانت تبلغ حينئذ نحو مليار ونصف المليار دولار. في هذه السنة وعوضاً عن احترام هذه الإستحقاقات الدولية، فضّلوا إفلاس البلاد وإهدار نحو 18 مليار دولار في سنة واحدة فقط لدعم وهمي، لم يصل حتى إلى اللبنانيين لكن صُدّر خارج الحدود.

هذا كان نقطة الإنطلاق للإنهيار المالي والنفطي، والأسوأ هو أنه بعد اتخاذ هذا القرار الكارثي لم تبدأ أي إجراءات لإعادة الهيكلة، وعلى الأقل التفاوض مع حاملي اليوروبوندز، وكأنه يُمكن طيّ الصفحة وشطب الديون والعفو عمّا مضى. هذا يعني أننا لا نزال نحفر في النفق ذاته، ونُعمّق الحفر نحو الظلام الأكثر سواداً عوضاً عن محاولة الحفر نحو النور.

نذكّر ونشدّد على أن لبنان بلد صغير يُمكن أن ينهار بسرعة فائقة، لكن في الوقت عينه يُمكن أن ينمو من جديد سريعاً أيضاً في حال وُجدت الإرادة الحقيقية، الصادقة والصلبة، المفقودة حتى الساعة.

أملنا ليس بالسياسة ولا بالسياسيين الذين خلقوا أسوأ أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في العالم، لكن يبقى أملنا بشعبنا الشجاع والمبادرة الحرة وابتكاراتنا التي تدور حول العالم وحبّنا للحياة ومرونتنا لإعادة البناء وقوتنا بعدم الاستسلام، والمثابرة والإيمان بأنفسنا وأرضنا وجذورنا وحتى مستقبلنا.

 

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةمصرف لبنان يمتص الليرات على حساب الاحتياطي والمودعين
المقالة القادمةمزارعو لبنان يهددون برمي محاصيلهم.. الترشيشي: لا يجوز تحميلنا مسؤولية الانهيار الاقتصادي