لحماية الفقراء: الأمم المتحدة “تفضح” تصفية الكهرباء وارتفاع الفواتير

تعهّد وزير الطاقة وليد فياض، عبر خطّته الجديدة، بإصلاح قطاع الكهرباء وانتشال مؤسسة كهرباء لبنان من عجزها في غضون ثلاث سنوات، فيما فاتورة الكهرباء ستقلّ عن فاتورة المولّدات الخاصة. وشهدت الحكومة للوزير بحسن خطّته، بأن أقرّتها في منتصف آذار الماضي، مع التعهّد بإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع خلال عام واحد. لكن الأمم المتحدة عكَّرَت فرحة الوزارة والحكومة بأدلّة تجعل الوعود بلا معنى.

الخطة والأسعار

بحلول العام 2024 ستصبح فاتورة الكهرباء بنحو 500 ألف ليرة، وهي كلفة ضئيلة مقارنة مع نحو 2 إلى 3 مليون ليرة يدفعها المواطنون اليوم للمولدات الخاصة، حسب فياض. ولاستكمال التصورات الإيجابية واستغلالها انتخابياً، منحت الحكومة في جلستها يوم أمس الخميس، تراخيص لشركات من أجل بناء محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في الجنوب والبقاع وجبل لبنان والشمال، بناءً على مناقصات أجريت في العام 2017. إلاّ أن أمام الشركات عام واحد لتأمين التمويل للمشروع، والانتقال في العام التالي إلى إتمام التجهيزات وإنجاز عقد شراء الطاقة مع مؤسسة كهرباء لبنان، قبل البدء بالإنتاج والبيع للمواطنين.

وعليه، فإن اللبنانيين سينتظرون سنتين على الأقل لرؤية الكهرباء، هذا إذا عزلنا مسار التعاقد مع الشركات وإنجاز الأعمال وإتمام خطة فيّاض، عن مالية الدولة وارتفاع أسعار الدولار وعدم قدرة كهرباء لبنان عن تأمين التمويل، وانهيار قيمة الليرة وتراجع القدرة الشرائية لرواتب اللبنانيين، وزيادة الفقر والبطالة.. وبالتالي، عدم قدرة غالبية اللبنانيين على شراء الطاقة مهما كانت كلفتها منخفضة بمنظور فيّاض وشركات الإنتاج وكهرباء لبنان والحكومة.

شهادة الأمم المتحدة

ما تروّج له الوزارة والحكومة، تفضحه الأمم المتحدة. ففي تقريرها المفرج عنه يوم الأربعاء الماضي، والمبني على مشاهدات المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، أثناء زيارته للبنان، لا تستسيغ الأمم المتحدة ما تقوله الحكومة والوزارة. فأسعار الكهرباء المنتظرة ستبقى عصية الدفع. وترفض الأمم المتحدة مقارنة الأسعار الجديدة بفواتير المولّدات الخاصة، لأن “الذين يعانون الفقر المدقع لا يستطيعون الحصول على الكهرباء من المولدات، ما يجعل المقارنة لا معنى لها”. ومع أن الحكومة أبلغت المقرر الخاص، أن زيادة أسعار الكهرباء لن تؤثّر على الأسر ذات الدخل المنخفض، إلاّ أن “هذا الجواب غير كافٍ”.

وترى الأمم المتحدة أن الحل الأنسب يكمن في “وجود استراتيجية واضحة لحماية ذوي الدخل المنخفض من زيادة التكاليف، إما عبر أسعار اجتماعية، أو غير ذلك”.

تصفية كهرباء لبنان

ليس سرّاً أن الطبقة السياسية تريد تصفية مؤسسات ومرافق الدولة، وعلى رأسها كهرباء لبنان. وتستغل عنوان الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتثبيت شركات خاصة موزّعة وفق المحسوبيات، لترث مؤسسة كهرباء لبنان بأرخص الأسعار وأسوأ الشروط.

ولذلك، حذّرت الأمم المتحدة من أن مشاركة القطاع الخاص في الكهرباء، من دون اعتماد “أنظمة مناسبة… قد تكون لها آثار ضارة على الفئات المنخفضة الدخل. وكما لاحظت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ينبغي أن يخضع مقدمو الخدمات من القطاع الخاص لالتزامات الخدمة العامة، لضمان عدم جعل التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشروطاً بالقدرة على الدفع”.

بمعنى آخر، تصرّ الأمم المتحدة على عدم حرمان الفقراء من حقّهم بالحصول على الكهرباء بحجّة عدم تمكّنهم من دفع الفاتورة، وإن اعتبرت وزارة الطاقة أنها فاتورة منخفضة. فخدمة الكهرباء بتصنيف الأمم المتحدة، مرتبطة بحقوق الإنسان كالسكن والتعليم والصحة والمياه والعمل والغذاء..

وتسهيل دخول القطاع الخاص إلى الكهرباء بلا ضوابط شفافة وواضحة سيؤدي إلى “تفكيك مؤسسة كهرباء لبنان. مما يسمح في نهاية المطاف إلى نقل الكهرباء إلى القطاع الخاص بالكامل”. وفي هذه الحالة، لا تنبّوء نهائياً بما يمكن الركون إليه، وتحديداً في مسألة الأسعار. فلا ضمانة للقطاع الخاص، إذ أن “الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإن كانت تنطوي على إمكانية تحسين الشفافية وتفكيك الاحتكارات، فإن هدفها المتمثّل في زيادة الأرباح إلى أقصى حد، بدلاً من تقديم الخدمات الأساسية، غالباً ما يؤدي إلى تسعيرات تجارية أعلى مما لو كان مرفق التوزيع مملوكاً للقطاع العام”.

خطط الكهرباء والشراكة غير المتكافئة بين القطاعين العام والخاص، وفي ظل الفساد المستمر وتجاهل الاصلاحات المطلوبة، لا يقتصر ضررها على الأفراد والأسر، خصوصاً الأكثر فقراً. بل تنسحب الأضرار على مالية الدولة. فالشراكة بين القطاعين يمكنها أن “تحجب الاقتراض العام من خلال وضع الإنفاق الحكومي خارج الموازنات العامة، وتصنيفه على أنه استثمار خاص وليس ديناً عاماً. وفي حين تفترض الحكومة أن القطاع الخاص سيموّل الهياكل الأساسية الجديدة (لقطاع الكهرباء)، فإن هذا الافتراض غير واقعي، بالنظر إلى أن 80 بالمئة من مجموع الاستثمارات في الهياكل الأساسية للطاقة في جميع أنحاء العالم، تأتي من مصادر عامة”.

وبالتكلّم عن الإنفاق خارج الموازنات، فإن السلطة السياسية خبيرة في ذلك، وبارعة في هدر مليارات الدولارات. وأمام هذه الوقائع والمخاوف ذات الصبغة الدولية، تسقط كل أوهام خطط الكهرباء والاصلاحات الموعودة. ولذلك “فثمة حاجة إلى خطة أكثر واقعية”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةمصادر مالية عن سبب ارتفاع سعر الصرف
المقالة القادمةمصرف لبنان يقترح تسديد أموال المصارف بالليرة