ربما هي المرة الأولى التي لن يتمكن فيها اللبناني من الإحتفال بعيد الأضحى بسلام، فالحجيج لم يتمكنوا بمعظمهم من الذهاب لأداء فريضة الحج، لأن التكلفة فاقت إمكانياتهم ووصلت الى حدود الـ9 آلاف دولار، وهي كلفة لم يسبق أن سجلت سابقاً، ما أدى الى تراجع نسبة الحجاج هذا العام. لم تتمكن ام علي من الذهاب الى الحج، فـ»الكلفة الباهظة حرمتني هذه النعمة»، كان في حسابها ان تكون الكلفة مقبولة غير انها صدمت بسعر الـ9000 دولار، «الشركات بدأت تسرقنا وبالآخر راح الحج علينا وعلى كثر، مش حرام؟».
ليسوا هم فقط من حُرموا هذه النعمة، فالأضحى بمفهومه العام، يعني «خروف العيد»، حتى هذا باتت ممنوعاً من الصرف، بسبب الغلاء الكبير في أسعار المواشي، ما حال دون تمكن المواطن من تقديم أضحية يوم العيد، فأقل خروف يصل سعره الى 250 دولاراً اي ما يوازي راتب موظفين في لبنان، ما أدى الى رفع « شعار وداعاً» للخروف كما غيره من الامور التي ودّعها اللبناني الى غير رجعة ورفع مكانها شعار «لا يوجد خبز ولا دواء ولا شيء آخر»، فقد دخلنا زمن «لا يوجد» ما قد يؤدي الى اهتزاز الوضعين الاجتماعي والأمني. إهتز الوضع الاقتصادي فاهتز الوضع المعيشي، لا يخفي أحد ان فقدان مادة الخبز من السوق، قد تكون شرارة انفجار لبنان، فكل شيء إلا لقمة الفقير، التي يتلاعب فيها أصحاب الافران قبل الدولة ويحرمون الفقير منها، لكي يصلوا الى قرار رفع الدعم. باتت لعبة الرغيف مفضوحة، فالطحين المتوفر بكميات كبيرة للكاتو والكعك والحلويات، محظور على رغيف الفقراء، فقط لان اصحاب الافران يفضلون الربح، فالخبز العربي بات في نظرهم «بيخسر» وهو ما أدى الى فقدان الرغيف نهائياً من منطقة النبطية وتوفره فقط في السوق السوداء.
هي المرة الأولى التي يحضر فيها العيد من دون رغيف، عادة ما كانت الأزمات تحضر بالتقسيط غير انها هذه المرة حضرت دفعة واحدة وإن كان الرغيف أقساها، واللافت الصمت السائد، فلا من يعترض ولا من يصرخ، وكأن الكل في نوم عميق. حتى اجواء العيد غائبة، وحدها ورود العيد حضرت، وتم صفها امام المقابر رغم ان الوردة الاصطناعية ركبت الموجة وباتت بالفريش دولار، رغم ان علامات الزمن بادية على اوراقها، ولكن التجار يستغلون الفرص، فالعيد والورد متلازمان، ولو كانت بـ100 ألف. الناس يشترون، كما يقول ابو علي صاحب احدى البسطات، رافضاً فكرة تراجع سوق الورد كما سوق الألبسة، «بل الناس عم تشتري والمغتربين كتار، وبيدفعو بالفريش دولار».
في حي السراي العتيق في منطقة النبطية ينشط سوق البخور والعيزقان هذه الايام، فهما من اساسيات العيد، صحيح ان البخور الصناعي سيطر في السنوات الماضية، الا ان العودة للعيزقان البري باتت ضرورية بالنظر الى فرق الاسعار بين الاثنين. وفق حسن صاحب بسطة لبيع العيزقان فإن الطلب عليه يزداد هذه الايام، فسعره ما زال مقبولاً، لم يجار فورة الغلاء الحالية، وبقي ارخص من البخور المستورد. ينتظر حسن العيد سنوياً ليستفيد من الفرصة، إلا انه هذا العام مختلف، الطلب كبير، برأيه «الناس قد يستغنون عن الوردة لكنهم لا يستغنون عن البخور في زيارة المقابر»، وباعتقاده هو جزء من العيد أضف الى أنه طقس من طقوسه الى جانب قراءة الفاتحة، بعدما تخلوا عن الكثير من عاداته، ولا يتردد بالقول إنها فرصته للاستفادة.
لن يحمل العيد اي انفراجات تذكر، وحتى عيدية الحكومة كانت ازمة خبز خانقة، اذ لا يكفي المواطن مآسيه حتى قدم له تجار الازمة ازمة رغيف في أيام العيد، ازمة تؤكد كل المصادر انها مفتعلة بفعل فاعل وتهدف الى رفع الدعم لا أكثر، فهل تُقدم الحكومة عيديتها بحل الأزمة، أم يبقى التراشق قائماً والبحث عن الرغيف سيد العيد؟