“لوبي” مصرفيّ يضغط للحؤول دون الترخيص لبنوك جديدة

بالرغم من كل التخبط الذي يعانيه القطاع المصرفي في لبنان، سواء على صعيد أداء المصارف الزومبي، أو على صعيد تداعيات الملاحقة الدولية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، (وتأثيرها السلبي على القطاع ككل)، الا أن ثمة كلاماً عن منح تراخيص لمصارف جديدة ستدخل السوق، بدأ في العام المنصرم وتصاعدت وتيرة جديته مؤخراً لترسو الاخبار عن ان هناك 4 تراخيص ستمنح لمصارف جديدة، وقد تابع الحاكم دراسة التراخيص حتى بعد صدور القرار بتوقيفه (كما أوردت إحدى وسائل الاعلام).

ما يتمّ الترويج له، لم يعجب أهل «الكار» أي المصارف الموجودة، والدليل هو الحملة الاعلامية التي قادتها ضد اعطاء هذه التراخيص، وعلا صوت المصارف «الزومبي» منبهة من خطورة هذه الخطوة على القطاع ككل وعلى مصير أموال المودعين. وقد حاول اللوبي المصرفي فرملة هذه الفكرة في مهدها، منذ طرحها من قبل الحاكم رياض سلامة قبل أشهر. اما آخر مؤشرات هذا الاعتراض فهو البيان الذي صدر عن الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف الاسبوع الماضي معتبراً فيه أن «الأخطر هو ما تسرّب من معلومات عن إعطاء أربع رخص لمصارف جديدة، ستتعامل بالدولار Fresh حصراً أكان من ناحية الودائع أو التسليفات. هذا يعني بالواقع خلق قطاع مصرفي جديد والقضاء على القطاع المصرفي الحالي مع ودائعه»، لافتاً الى انه «إذا انتقل العمل المصرفي إلى قطاع جديد مستحدث فلن تتمكن المصارف من المشاركة في معالجة الأزمة في حال لم تتأمّن لها المقومات اللازمة لاستمرارية عملها».

لإستيعاب سيولة المنازل

الردّ على هذا التهويل وهلع مصارف «الزومبي» من الترخيص لمصارف جديدة، يشرحه خبير مصرفي بالقول: «إن هذه الخطوة هي محاولة لاستيعاب السيولة الموجودة في المنازل، ومنح القطاعات المنتجة التسليفات التي تحتاجها. بمعنى آخر يمكن أن يعود الى القطاع المصرفي اللبناني مصارف حقيقية تلعب دورها المفترض، بعد نحو 4 سنوات من ابتزاز المصارف الحالية لمودعيها»، مشدداً على أن «دخول مصارف نظيفة يعني خلق نظام مالي موازٍ صحّي وجديد، ما سيسحب من القطاع المصرفي القديم ورقة ابتزاز اللبنانيين بكونه معبرهم الوحيد إلى النظام المالي العالمي، وهذا ما رأيناه من خلال ضغوطهم التي مارسوها خلال الاضرابات المتكررة».

إعادة هيكلة المصارف أولاً

على ضفة تقييم هذه الخطوة أيضاً يقول سمير الضاهر مستشار الرئيس نجيب ميقاتي لـ»نداء الوطن»، إنه «قبل البحث في أي خطوة مصرفية، يجب على مجلس النواب اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف وهذا امر لم يحصل بعد، والى الآن لم يتم اقرار قانون الكابيتال كونترول او قانون اعادة التوازن المالي».

يضيف: «برأيي من الافضل معالجة مجلس النواب للقطاع المصرفي عبر اقرار هذه القوانين وبعدها يتم البحث في تراخيص جديدة، لان اعادة هيكلة المصارف ستتيح للمستثمرين الجدد أسساً واضحة قانونياً وادارياً. وشخصياً لا اقتنع انه يمكن انشاء مصارف جديدة والاطار القانوني للمصارف غير واضح الى الآن».

يرى الضاهر أن «المطلوب اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف، فهناك مصارف متعثرة وفقدت رأسمالها ويجب معالجة اوضاعها. وهذا القانون موجود في مجلس النواب ولم يقر الى الآن، وهو من الشروط المسبقة والمطلوبة من صندوق النقد الدولي، أي اعادة معالجة اوضاع المصارف في لبنان واعادة تنظيمها تحت هذا القانون»، مشدداً على أنه «بناء على هذه المقاربة، يجب على كل المصارف الموجودة أن تقدم خطة عمل الى مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف لمدة ثلاث سنوات. وبناء على هذه الخطة يتم فرز المصارف بين مصارف قادرة على الاستمرار، وعلى ضخ رؤوس اموال جديدة بعد استيعاب الخسائر التي تعاني منها».

ويلفت الى أن «هذه الفرصة متاحة لكل المصارف الموجودة، والجميع يعلم أن هناك مصارف لا تملك القدرة على الاستمرار وتطبيق المعايير الدولية، (الملاءة والسيولة وتأمين رأس المال الكافي لاستعادة ثقة المودع)، عندها اما نكون امام حالات دمج مع مصارف اخرى او تصفية للمصارف».

ويختم: «الحديث عن الترخيص لمصارف الجديدة مفيد من حيث المبدأ، اذا اراد مصرف جديد الالتزام بالمعايير الجديدة. لكنها خطوة صعبة لأن الاطار العام للقطاع المصرفي لا يزال في حالة اضطراب، واحتجاج جمعية المصارف على هذه التراخيص مفهوم لجهة ان البنوك الجديدة ستكون منافسة لها، وهي في الاصل لا تزال تعاني من مشاكل اعادة هيكلتها».

4 موافقات مبدئية

من جهته يلفت الخبير الاقتصادي صلاح عسيران لـ»نداء الوطن» الى أن «هناك حوالى 20 طلباً لمصارف جديدة تمّ تقديمها للمصرف المركزي للحصول على ترخيص. والى الآن هناك 4 مصارف حصلت على الموافقة الاولية. لكن الخطأ الكبير هو أن كل هذه الطلبات هي ليست لمصارف تقليدية، بل مؤسسات مالية تقدّم خدمة التحاويل وE banking، أي الخدمات المصرفية الالكترونية عبر credit cart وليس الخدمات التي تقدمها المصارف التقليدية».

يضيف: «المصارف تتخوف من إعطاء تراخيص لمصارف كاملة الاوصاف، قبل حل مشكلة القطاع المصرفي، لأن ذلك سيؤثر سلباً عليها وعلى المودعين، وكأنها دعوة الى اقفالها فوراً، علماً أنها ضرورية جداً في اي نظام مصرفي وأي اقتصاد. لكن المصارف تعتبر انه يجب ان تحل مشكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي قبل اعطاء هذه التراخيص وهذا الاعتراض فيه شيء من المنطق».

يرى عسيران أنه «من الضروري جداً ان تكون هناك مصارف جديدة في الاقتصاد اللبناني، لأنه حالياً يعاني من عدم وجود تسليف وهذا ينعكس تعطيلاً. والمطلوب هيكلة المصارف وتنفيذ القوانين الاصلاحية، لفرز المصارف القادرة على الاستمرار في السوق عن غيرها، وعلى أساسها يتم فتح باب اعطاء تراخيص جديدة للمصارف»، شارحاً انه «صحيح أن المصارف الجديدة ليس عليها أعباء المصارف القديمة، ولكن هناك مشكلة اسمها علاقة المصارف الحالية بالودائع والمودعين يجب حلها، واي خطوة قبل هذا الحل هو قفز فوق الحلول. وعلى الدولة اصلاح القطاع المصرفي واعادة هيكلة البنوك والقيام بالخطوات اللازمة للنهوض الاقتصادي».

تأجيل التراخيص!

يلفت الخبير المالي ميشال قزح لـ»نداء الوطن» الى أن «التراخيص المقدمة هي لانشاء مصارف الكترونية، وهذا أمر لا يعجب الكثير من المصارف في لبنان، على اعتبار أن هناك 12 مصرفاً ممن يصنفون بأنهم من الفئة الاولى يطالبون أيضاً بتراخيص لمصارف الكترونية، لأن هناك محاولات للتوسع بالاقتصاد النقدي».

ويضيف: «حالياً لم يعد همّ حاكم البنك المركزي اعطاء تراخيص لهذه المصارف، بل حماية نفسه بعد صدور قرار توقيفه من قبل القضاء الدولي، ولم يعد هذا الموضوع من ضمن أولوياته».

رأي مؤيد لحشر البنوك القائمة

يؤكد محلل مالي ومصرفي أن «وجود مصارف جديدة سيبطل تُهمة «ضرب القطاع المصرفي» التي ترفعها المصارف ومناصروها في وجه كل من يعلي الصوت ضد ممارساتها. لأن وجود قطاع مصرفي حقيقي وكفوء، سيوضح اكثر مدى فشلها، والاهم أن التراخيص الجديدة ستساهم في الحد من سطوتها في عرقلة الحلول المطلوبة سواء في الحكومة أو مجلس النواب، بمجرّد إنهاء احتكارها لساحة الخدمات الماليّة المحليّة».

يرى المصدر أنه «ليس بالضرورة أن تؤثر التراخيص الجديدة سلباً على الودائع، لأن أكثر ما يضمن حقوق المودعين هو مسار واضح لتوزيع خسائر النظام المصرفي القديم، مع تصفية المصارف المفلسة وغير القادرة على الاستمرار، والاستفادة من كل سنت من موجوداتها بما فيها الموجودات العقاريّة والأصول الاستثماريّة في الخارج»، مشيراً الى أنه «لن يشمل هذا الأمر المصارف القديمة القادرة على إعادة الرسملة، لكن وجود قطاع مصرفي حي ومنتعش وقادر على خدمة الاقتصاد هو وحده ما سيسمح بالذهاب إلى أبعد ما يمكن، خلال مرحلة التصفية وتوزيع الخسائر».

يضيف: «أهم ما في الموضوع هو أنّ المصارف السليمة والجديدة ستكون قادرة على شراء ما تبقى من الموجودات أو الأصول الاستثماريّة الخاصّة بالمصارف المتعثّرة بما فيها العقارات والفروع، مما سيسمح بإعادة شرائح أوسع من الودائع، طبعاً بعد تحميل الرساميل أوّل شريحة من الخسائر. ووحده المصرف القديم القادر على إعادة الرسملة، بعد شطب الرساميل سيبقى في السوق كمصرف نظيف، تماماً كالمصارف الجديدة».

ويعتبر المصدر أن «المصارف الجديدة ستشكل عاملاً مساعداً خلال عمليّة إعادة هيكلة القطاع. صحيح أن رساميلها لن توضع في سلّة الخسائر، لكنّها ستسمح بالتوسّع في إجراءات التصفية لموجودات القطاع القديم خلال إعادة الهيكلة، طالما أن البديل موجود. وستساهم باستعادة التحويلات وضخ السيولة بالعملة الصعبة في السوق»، لافتاً الى أنها «ستساعد في خلق نظام دفع مصرفي جديد، بعيداً عن اقتصاد الكاش الذي يزيد من مخاطر تبييض الأموال، وعزلة لبنان عن النظام المالي العالمي».

 

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةإستقالة حاكم مصرف لبنان؟ إقالته؟ أو كفّ يده؟
المقالة القادمةتفاقم التهرّب الضريبي على كل المستويات في لبنان