ماذا عن الأملاك البحرية العمومية في الموازنة؟

 

شكّلت قضية الأملاك البحرية العمومية إحدى المحطاّت الأساسية في مرحلة البحث عن موازنة متقشّفة لسدّ العجز في ميزانية الدولة فارتفعت الأصوات تُطالب بتضمين الموازنة إصلاحات جذرية لهذا الملف الخلافي المتوارث منذ سنين من دون أن يعود بفوائد مالية مهمة على الدولة.

تُعتبر الأملاك البحرية الصيد الثمين في الموازنة إذا أحسن تنظيمها وجباية الضرائب وتحصيل الغرامات وإذا وضعت قوانين تعاقب المعتدين والمخالفين على الأملاك العمومية وتمّ دفع المستحقّات والمخالفات. ولا حاجة للقول إن الأملاك البحرية التي انتشرت عشوائياً على طول الشاطىء اللبناني منذ سنوات الحرب وبعدها يُمكن أن تكون أبرز المساهمين في عملية تأمين الأموال لخزينة الدولة.

حدّدت الموازنات السابقة إيرادات الأملاك البحرية بمبالغ بين الـ 100 والـ 200 مليار ليرة ليتبيّن أن مجموع ما جنته الدولة كان 20 ملياراً في السنوات الماضية، وأعيد في سياق مناقشة مشروع موازنة الـ2019 طرح تنظيم الملف ووضع أطر قانونية له وزيادة الإيرادات.

وفق “الحزب الاشتراكي” الذي أعدّ ورقة سياسية حول الملف فإن نحو 600 مليار ليرة خسرتها الدولة بين عامي الـ 2012 و2018 بسبب امتناع مجلس الوزراء عن تعديل مرسوم تخمين إشغال الأملاك البحرية العمومية، في حين اعتبر النائب جميل السيد أن الهدر في ملف الأملاك البحرية بلغ 170 مليار دولار، وأن الخلاف الدائم هو حول بدل الإشغال المؤقت لعدم تطابق البدلات الحالية مع الأرقام والواقع المرسوم في الحكومات المتعاقبة.

ترى أوساط مطلعة على الملف أن الأملاك البحرية لا تعود بالمليارات سنوياً كما يُشاع بل تؤمّن وفراً كبيراً لخزينة الدولة، ولكن الإشكالية المطروحة في عدم قدرة السلطة السياسية والحكومات المتعاقبة على معالجته أو على الأقل الاستفادة منه لتأمين إيرادات للدولة.

السلطة السياسية تُهيمن على الملف ويمكن القول إن المعتدين على الأملاك البحرية هم من أهل السلطة والمحسوبين عليها والمنتفعين الذين يدورون في فلكهم، والملف باختصار يتبع الزعماء والنافذين، أما من ينتقده ويحاول فضح بعض الحقائق فبحسب الأوساط هو يقوم بعملية ابتزاز لاستثمار الموقف في البازارات السياسية الأخرى.

باعتقاد فريق من السياسيين كان الأجدى في موازنة العام 2019 بدل فرض الرسوم والغرامات على الأملاك البحرية أن تحصل إزالة التعديات وتأمين بدائل تؤمّن انتقال الأملاك البحرية إلى الدولة أو تأمين إيجارات مرتفعة بتسعيرة الأمتار لكن الملف شائك ومعقّد، فالشاطىء اللبناني جرى تغيير ملامحه ويتبع للزعماء والنافذين فيما المخالفات والمحسوبيات أقوى من القوانين.

ثبت عبر التجارب من الحقبات السياسية الماضية أن ملاحقة المعتدين على الأملاك البحرية مثل محاربة طواحين الهواء، فالمعتدون يحتمون بالسلطة السياسية، وثبت في التجربة أيضاً أن الموازنات لم تجد الحلّ للملف بل اكتفت بالغرامات على أشغال الأملاك البحرية فيما المطلوب إزالة التعديات وانتقال الملكية إلى الدولة أو تحصيل إيرادات مرتفعة بدل معالجة الهدر والفساد في الدولة من جيوب الفقراء.

السؤال الأهم لماذا الخجل من معاقبة المعتدين على الأملاك البحرية والعمومية ومن يجنون المبالغ الطائلة من شاطىء المفروض أن يستفيد منه كل اللبنانيين؟ تتحدّث مصادر في وزارة الأشغال عن أن تسوية المخالفات البحرية التي أطلقتها الوزارة تمكّنت من توفير 144 مليار ليرة فيما استيفاء كامل الغرامات عن باقي المخالفات سيوفّر مبلغ ست مائة وخمسين مليار ليرة أخرى، هذا الرقم على أهميته لا يجب أن يلغي مبدأ المحاسبة وإلغاء الواقع الذي نشأ في أيام الحرب اللبنانية ولا يزال قائماً حتى اليوم.

بواسطةمروى غاوي
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةهذه الحكومة من ذاك البرلمان… والندم يبعد ثلاث سنوات
المقالة القادمةزيادة الرسم الجمركي 3 بالمئة: أداة للجباية أم لتحسين الاقتصاد؟