هذه الحكومة من ذاك البرلمان… والندم يبعد ثلاث سنوات

رغم وجود حكومة كاملة المواصفات “الشكليّة”، ما يزال مشروع الموازنة العامة عالقاً في شِبَاك تصفية الحسابات السياسيّة وغير السياسيّة بين القوى الحكوميّة، المُنغمِسَة بقوة، وعلى نحو مستمر، في لعبة الصراع على التحكّم بأصغر وأكبر تفاصيل التسلّط لا السلطة، والتي تستمدّ “جبروتها الوزاري” من “كتل نيابيّة ذات صناعة طائفيّة”، الأمر الذي وَلَّدَ “دكتاتوريّات صغيرة” وأدّى إلى إنحراف عمل الحكومة عن الأهداف والوعود التي نالت على أساسها ثقة نوّاب الأمّة.

منذ ثلاثة أشهر، مجلس النوّاب صدّق ما ورد في بيان الحكومة الوزاري من أهداف ووعود، ومنحها ثقته الغالية، بناءً على “الأقوال” التالية:

“هذه الحكومة نريدها حكومةَ (أفعال لا حكومة أقوال)… (تخاطب معاناة اللبنانيين) وتطلعات الشباب والشابات للمستقبل وتضع في أولوياتها الاستقرار السياسي والأمني و(الأمان الاجتماعي لكل المواطنين)، وترسم سياسة اقتصاديّة وماليّة تواكب التحديات… (ألف باء التصدي لهذه التحديات)، تتطلب ورشةَ عملٍ وتعاون مشترك بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، مهمتها الانتقال بالبلاد من حال (القلق الاقتصادي والاجتماعي) و(التذمر الأهلي تجاه الخدمات الأساسيّة) إلى حال الاستقرار المنشود و(إعادة الأمل للمواطن بالدولة) ومؤسساتها وقدرتها على الإصلاح والتحديث والتطوير… (نحن جميعاً في مركب واحد)… أمامنا (فرصة لن تتكرّر للإنقاذ والإصلاح)، ومسؤوليّة عدم تفويت هذه الفرصة تقع على كل (الشركاء في السلطة)”.

على مشارف انتهاء مهلة المئة يوم، من الواضح أنّ هكذا حكومة “حائزة على الثقة النيابيّة” بإستثناء بعض النوّاب، أفعالها تخالف أقوالها، والتي أخطرها استعدَاء الشعب، لا يُمكن أنْ تخشى هكذا برلمان، لا يقوم بواجباته الدستوريّة في الرقابة والمحاسبة، ولا يستفز صلاحيّاته ومسؤوليّاته إختلال الوحدة الوطنيّة وانكشاف الأُميَّة القياديّة وفقدان التضامن وغياب التنسيق وسيادة الأنانيّة بين الوزراء والمسؤولين والمؤسسات والإدارات والأجهزة، ولا تستثير حميّته حقيقة الواقع الشعبي المؤلم، حيث، وعلى يد حكومته، تفاقمت المعاناة وتهدَّد الأمان وتعاظم القلق وتفشَّى التذمر وتقلّص الأمل وانعدمت المراكب ونفذت الفرص وتفرّق الشركاء.

في ساحة النجمة، مجلس النوّاب، السلطة الوحيدة التي مصدرها الشعب، هو “الإبن العاق” لشعب انتخبه فتنكَّر لفضله عليه، وأهداهم مكان الحلول حكومة زادت من مآسيهم.

في السراي الكبير، مجلس الوزراء، السلطة المولودة من صُلب مجلس النوّاب، هو “الحفيد الضال” لشعب أخطأ بحق نفسه يوم انتخب هذا البرلمان “والد الحكومة وشريكها”.

إذا كان “سوس الحكم في القدرة على التحكّم”، فكيف إذا كانت “هذه الحكومة من ذاك البرلمان”؟

أقرب موعد ليُعبِّر الشعب عن ندمه يبعد ثلاث سنوات.

 

بواسطةحسن سعد
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةالموازنة… جلسة أخيرة لقراءة الأرقام
المقالة القادمةماذا عن الأملاك البحرية العمومية في الموازنة؟