ماذا يُخزّن اللبنانيون وعلى ماذا يتهافتون؟

لم يتوقف اللبنانيون طويلاً عند الأسلوب الذي أقرّت به الموازنة ولا عند الجدل أو التشكيك اللذين تليا إقرارها، بل إن أبرز ما فهموه منها كان قرار رفع الدولار الجمركي على الكماليات الذي شغّل على الفور الآلات الحاسبة في أذهانهم لاحتساب الارتفاع المرتقب لأسعار السلع وانتابتهم إثر ذلك حالة من الهلع دفعت بمن لا يزال يملك بعض الـ»فريش» إلى التهافت بشكل لم يشهده لبنان منذ بدء الأزمة على الكماليات المهدّدة بارتفاع جنوني في أسعارها. ولكن هل باتت السيارة والبراد والغسّالة وجهاز الكمبيوتر من الكماليات في لبنان؟

أولى ضحايا رفع الدولار الجمركي قطاع السيارات المستعملة الذي يتوقع له أن ينكمش بشكل كارثيّ مع الارتفاع الكبير في جمرك السيارات المستوردة، ولكن هل تكون صحوة قبل السبات العميق؟ وهل استفاق الناس على ضرورة أن « يظمطوا» بسيارة قبل الغلاء؟ رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي يقر بأن هناك حركة، وليس تهافتاً، بدأت مع ارتفاع سعر البنزين في اتجاه شراء السيارات الصغيرة لا سيما من قبل فئة الشباب وقد ازداد استيرادها بشكل واضح فيما خفّ كثيراً استيراد أو بيع السيارات الكبيرة التي بدأ الناس يسعون للتخلص منها واستبدالها بأصغر. ويورد قزي بعض الأرقام شارحاً أنه في العام 2018 كان عدد السيارات المستوردة 44000 سيارة ليصبح 27000 في العام 2019 ويهبط بشكل دراماتيكي في العام 2020 إلى 4900 ويرتفع من جديد في العام 2021 إلى 15000 سيارة منها 85% سيارات صغيرة الحجم.. وهذا يفسر انتعاش شغل أصحاب المعارض في السنة الماضية إلى حد ما وانتعاش حركة التصدير إلى البلدان المجاورة. لكن مع عدم إمكانية التقسيط في المصارف وحجز أموال المودعين اقتصر بيع السيارات على الفئة الصغيرة التي لا تؤمّن ربحاً كبيراً وصار همّ الناس اليوم تأمين صيانة السيارة التي يملكونها لا شراء واحدة جديدة. والجدير ذكره أن جمرك السيارة المستعملة في لبنان أكثر من الجديدة وزيادة الدولار الجمركي يعني إفلاس وإقفال وهجرة لقطاع بكامله يعتبر ثاني مصدر للإيرادات بعد النفط للخزينة اللبنانية.

في مقابل اقتصار البيع على السيارات الصغيرة، ثمة تهافت حقيقي من قبل المواطنين، حسبما يشرح قزي على تسجيل سياراتهم أو تصحيح أوضاعها غير القانونية وذلك نظراً لثبات رسم التسجيل الذي بات بمتناول الجميع بعد أن كان سابقاً يصعب على المواطن المتوسط إيفاؤه. و ينسحب التهافت أيضاً على نقل الملكية بعد أن كان بيع السيارات يتم بواسطة وكالة تجنباً لدفع رسوم التسجيل مرة جديدة عند نقل الاسم.

في الجهة المقابلة، لم يصدق المسؤولون عن قسم الأدوات الكهربائية والإلكترونيات في شركة «فتّال» ما يحدث وما السرّ وراء هذه الهجمة المفاجئة على شراء القطع الكهربائية المختلفة. فجأة ومن دون مقدمات ازداد بيع ماكنات العصير والكبة وأدوات إزالة الشعر وماكنات الحلاقة وغيرها بدءاً من يومي الخميس والجمعة. لا مناسبة قريبة تبرر هذه الهجمة وليس عيد العشاق بالطبع ما دفع بالناس إلى شرائها كما أن عيد الأمهات لا يزال بعيداً. لم يفهم المسؤولون عن البيع بداية هذا الجنون ليتبيّن فيما بعد أن الزبائن أرادوا استغلال السعر الحالي ليضمنوا حصولهم على أدوات يحتاجونها ربّما لن تعود متوافرة قريباً.

إذا كانت الأدوات الكهربائية تعتبر من الكماليات في نظر الحكومة الكريمة فالشعب وضع لائحة بأولوياته وأساسياته. ف»ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» بل أيضاً بالمشروبات الروحية والعطور وتحيا النساء بإبر البوتوكس والفيلر ومستحضرات التجميل.

البن، المشروبات الروحية وحتى أطعمة القطط والكلاب والعصافير هي من أكثر ما أصرّ المواطنون على التزوّد بكميّات كافية منه تحسباً لغلاء أسعارها. بالنسبة إلى نديم وهو تاجر جملة متخصص بالمشروبات الروحية فإن الإقبال على شراء هذه المشروبات ارتفع قليلاً ولكن الزيادة لم تبلغ النسبة التي وصلت إليها سابقاً مع بداية ارتفاع الأسعار حين عمد وقتها الناس إلى التخزين بكميات كبيرة.

مصدرنداء الوطن - زيزي إسطفان
المادة السابقةفاتورة الإنترنت ارتفعت 40% مناطقياً… في مدن “غبية” تكنولوجياً!
المقالة القادمة“ليبان بوست” أضرّت بالبريد… وهذه “إثباتات” ديوان المحاسبة