ما بعد تمّوز: مأوى رياض سلامة الآمن بالشارقة؟

وفقًا لجميع المصادر المطلعة على عمل فريق الدفاع القانوني عن حاكم مصرف لبنان، قُضي الأمر بالنسبة لجلسة الاستجواب الباريسيّة المحدّد موعدها يوم الثلاثاء المقبل: حاكم مصرف لبنان لن يغامر بحضور الاستجواب، أو حتّى الصعود إلى طائرة تتوجّه غربًا نحو أي دولة أوروبيّة. وإذا لم تحصل أي مفاجآت غير متوقّعة خلال اليومين المقبلين، وهذا محتمل بالمناسبة، من المفترض أن نكون أمام مجموعة من الذرائع التي سيشهرها الحاكم للهروب من هذه الاستجواب.

خيارات فريق الدفاع القانوني

السؤال الأساسي، الذي يفترض أن يبت به فريق الدفاع القانوني خلال أقل من 48 ساعة من هذه اللحظة، هو عن نوعيّة الذرائع التي سيتم إشهارها للهروب من الاستحقاق.

فهل سيتذرّع الحاكم بعدم تبلّغه إزالة قرار منع السفر، الذي صدر بحقّه منذ أكثر من سنة وخمسة أشهر من قبل القاضية غادة عون، والذي سقط فعليًا بانتهاء صلاحيّته منذ نحو سنة؟ أم هل سيتذرّع باعتراضه على بعض الإجراءات القضائيّة، التي قامت بها آود بوريسي، ليتحوّل إلى فار من وجه العدالة القضائيّة الفرنسيّة؟

أمّا آخر الذرائع التي تم التداول بها، فكانت الخشية على مصير الحاكميّة وإدارة المصرف المركزي بغياب الحاكم، خصوصًا أن الأمور قد تتجه إلى توقيف سلامة أو احتجازه، في حين أن نائب الحاكم الأوّل أعلن عدم استعداده لتولّي مهام الحاكم خلال هذه الفترة.

وخلال الأيّام القليلة الماضية، قام الحاكم ببعض المناورات لتفادي تلقّي الدعوة إلى الاستجواب الفرنسي، والتي كان من المفترض أن تصله عبر القاضي شربل أبو سمرا. وهو ما قد يضيف حجّة ركيكة جديدة قد يستخدمها الحاكم للبقاء في بيروت، إلا إذا تمّت معالجة هذه الثغرة يوم غد الإثنين.

باختصار، ما يجري بات أشبه بمسرحيّة هزيلة نعرف نهايتها المتوقّعة والمرسومة سلفًا يوم الثلاثاء المقبل، فيما يتبقّى أن نعرف خلال اليومين المقبلين نوعيّة الإخراج القانوني الذي سيلجأ إليه فريق الدفاع عن الحاكم. وما بعد يوم الثلاثاء، وفي حال تملّص الحاكم من حضور الاستجواب، سيكون ملف الحاكم في فرنسا على موعد مع مجموعة من التطورّات السريعة، التي ستفضي إلى توجيه لائحة الاتهام إلى الحاكم غيابيًا، مع طلب إصدار مذكّرة توقيف عبر الإنتربول.

تحضيرات فريق الدفاع السياسي

على المقلب الآخر، وبمعزل عن تطوّرات اليومين المقبلين، ينشغل فريق الدفاع السياسي عن الحاكم بالبحث عن المخارج الآمنة، الكفيل بإبعاد الرجل وإبقائه بمنأى عن أي توقيف يمكن أن يكشف الكثير من ما يعرفه. السيناريو الأكثر تداولًا، يتركّز على تأمين “هروب” سليم له باتجاه إمارة الشارقة، حيث يمكن أن يمضي ما تبقى من عمره بعيدًا عن الأضواء، وبمنأى عن الملاحقات القضائيّة الأوروبيّة.

اختيار الشارقة بالتحديد، يأتي أوّلًا بالنظر إلى عدم وجود أي اتفاقيّات لتسليم المطلوبين بين الإمارات والدول الأوروبيّة والولايات المتحدة الأميركيّة. وبذلك، سيكون بإمكان الحاكم أن يمارس حياته الطبيعيّة هناك، حتّى لو صدرت أحكام مشدّدة بالسجن بحقّه في الدول الغربيّة. وفي الوقت نفسه، سيسمح خروجه من لبنان بإراحة الطبقة السياسيّة من الضغوط الغربيّة، وخصوصًا الأوروبيّة، والتي يمكن أن تنتج عن وجود شخصيّة مطلوبة دوليًا على الأراضي اللبنانيّة.

أمّا الأهم، فهو أن سلامة سيتمكّن هناك من الاستفادة من التنظيمات الإداريّة والماليّة الإماراتيّة، والتي تجعلها أقرب ما يكون إلى جنّة ضريبيّة يسهل فيها تأسيس الشركات الواجهة وإدارة الثروات بسريّة، وبعيدًا عن الملاحقات أو الحجوزات القضائيّة الأجنبيّة.

وتشير بعض المصادر المتابعة لعمل الحاكم إلى أنّه عمل أساسًا ومنذ سنوات على نقل جزء من استثماراته باتجاه الإمارات، وخصوصًا بعد صدور بعض التنظيمات الإداريّة الأوروبيّة، التي تحد من قدرته على إخفاء ثرواته في الدول الأوروبيّة. مع الإشارة إلى أنّ صدور هذه التنظيمات الأوروبيّة الجديدة هي ما ساهم في الكشف عن بعض شركاته العاملة في أسواق المال والعقاريّة الغربيّة، والتي تم نشر تفاصيلها من قبل الصحافة الاستقصائيّة على مرّ السنوات الست الماضية.

وأخيرًا، وبخلاف العديد من الخيارات الأخرى، تتمتّع الإمارات بسوق ماليّة وعقاريّة نشيطة للغاية، وهو ما سيسمح لسلامة أيضًا بتوظيف ثروته في هذه الأسواق بشكل مرن وسلس، وبأقل قدر ممكن من التعقيدات. وسيكون بإمكان سلامة ممارسة أعمال استثماريّة لا تبعد كثيرًا عن مجال عمله الأساسي في إدارة المحافظ الماليّة.

هذا السيناريو قد يتغيّر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، في ضوء الترتيبات التي تجري لانتقال سلامة إلى هناك، وهو ما يدفع الحلقة المحيطة به إلى وضع خطط بديلة أخرى. لكنّ الأكيد هو أن انتقال سلامة لن يكون إلا باتجاه دولة لم توقّع على اتفاقيّات لتسليم المطلوبين، ولا تضع تدابير وتنظيمات ماليّة تفرض الكشف بوضوح عن أصحاب الحق الاقتصادي في الأنشطة الاستثماريّة والماليّة.

دور هامشي للقضاء اللبناني

في كل ما يجري، لا يبدو أن أحدًا ما يعطي الكثير من الاهتمام أو الاعتبار للمسار القضائي اللبناني. فرغم وجود دعوى مقامة من قبل النيابة العامّة الاستئنافيّة في بيروت، على خلفيّة الملف نفسه، يبدو أنّ القضاء يتعامل مع هذه الدعوى بمنطق التسويف وشراء الوقت والمماطلة، بل وربما محاولة تحريك الإجراءات بالاتجاه الذي يفيد الحاكم في مواجهة التحقيقات الفرنسيّة. وهذا تحديدًا ما جرى مثلًا في ملف ادعاء الدولة اللبنانيّة على الحاكم، الذي يتم العمل حاليًا لإبطاله بحجّة عدم الاستحصال على موافقة وزير الماليّة على هذه الدعوى، ما سيعني منع الدولة من ملاحقة أملاك الحاكم المحتجزة في أوروبا (راجع المدن).

في خلاصة الأمر، سيبدأ اللبنانيون بعد يوم الثلاثاء مرحلة جديدة، مع انتقال حاكم مصرفهم المركزي إلى فئة المطلوبين للعدالة الدوليّة، ومع استعداده للهروب إلى ملاذ آمن، بحماية سياسيّة وقضائيّة لافتة. كل هذا المشهد، سيعيد تكريس نموذج الإفلات من العقاب، في ملف يُعنى بأكبر انهيار مالي ومصرفي في التاريخ الحديث، تمامًا كما شهد اللبنانيون نموذج الإفلات من العقاب بعد انفجار المرفأ، أحد أكبر الانفجارات الدمويّة في التاريخ الحديث.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةفواتير كهرباء لبنان خياليّة والمواطنون يتذمّرون والبعض يتخلى عنها…
المقالة القادمةمصارف “تنهش” حسابات عملائها.. وتستدرج عملاء جُدداً