ما بين الأمن والإقتصاد… من يسقط؟

يزداد قلق ال​لبنان​يين من تدهور الأوضاع ​الإقتصاد​ية جرّاء عدم توافر الحلول السياسية. كانت جرت محاولة لإستيلاد صيغة حكومية تسووية في ​الساعات​ الماضية، لكن تبيّن أن التفاؤل كان ميلادياً أكثر مما هو حكومياً، فتعثّرت محاولة الولادة. لا يعني ذلك أن المحاولات انتهت، ولا صفحة ال​تأليف​ طُويت إلى أمد بعيد. لكن ​العجز​ السياسي الحالي يُحبط المواطنين الذين يتوقون إلى إستقرار حكومي قد يوقف الإنهيارات الحاصلة.

إذا كان السياسيون يشترون وقتاً إضافياً لمعرفة مسار الإقليم قبل تثبيت شكل وتوازنات ​الحكومة​، فإن كل المؤشرات تفيد أن الخارج لا يهتم بلبنان، ما عدا ​باريس​، مما يضع الكرة في ملعب اللبنانيين لا غير.

وبإنتظار أن يحلّ الإتفاق بين القوى اللبنانية، سواء أكانت تنتظر مستجدات خارجية بعد تسلّم الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ إدارة ​البيت الأبيض​ أو هي تمارس لعبة شد الحبال ل​تحقيق​ مكاسب حكومية، فإن الهواجس الشعبية تتراكم حول عنوانين: الإقتصاد والأمن.

يستند ​اللبنانيون​ في قلقهم الإقتصادي إلى وقائع عدة: إنخفاض قيمة العملة اللبنانية. تمنّع ​المصارف​ عن تلبية مطالب المودعين لسحب أموال وازنة من حقوقهم. تراجع قيمة الراتب الشهري أضعاف بسبب انخفاض سعر ​الليرة​ أمام ​الدولار​. إرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية، ومما زاد القلق الشعبي هو الحديث عن رفع الدعم الذي يؤمنّه ​مصرف لبنان​. لكن معلومات “​النشرة​” تفيد أن خطوة رفع الدعم هي مستبعدة، بعد حديث حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ عن وجود ملياري دولار في المصرف. وهو مبلغ كاف لإبقاء دعم السلع الاساسية لمدة تصل إلى ستة أشهر. مما يعني الاّ تغيير في هذا المسار، لتبقى ​الأزمة​ تراوح عند هذه الحدود في حال عدم تأليف حكومة. لكن الخسائر تزداد في كل القطاعات التي تنتظر فرجاً سياسياً، بعد إقفال مؤسسات وتسريح عمّال وإزدياد ​البطالة​. علما ان جائحة فايروس ​كورونا​ هي التي ترفع من حجم المأساة العالمية، فتغيب ​السياحة​ والخدمات وإيجابيات التواصل بين المجتمعات: نسب البطالة والجرائم ارتفعت على مساحة ​الكرة الارضية​.

اذا كانت حدود الإقتصاد تُرسم بفعل العوامل المذكورة أعلاه، ويُمكن تحمّل سلبياتها نسبياً لأمد محدود. فإن ما يرفع القلق اللبناني هو الكلام عن مخاطر أمنية آتية. هناك مثل يُقال في مفهوم بناء الأوطان: الأمن أفضل عيش و​العدل​ أفضل جيش. من هنا يحتل الأمن أولوية الاهتمامات. فهل ما يُستحضر من هواجس أمنية هو لغايات سياسية تهدف لدفع المسؤولين اللبنانيين الى بت ملف الحكومة؟ أم هناك فعلاً مخاوف تستند الى توافر معطيات خطيرة في الشأن الأمني؟ لم تغب أساساً المخاوف الأمنية عن لبنان منذ عام 2005. فلم تسترح ​القوى الأمنية​ يوماً في متابعاتها لتلك المخاطر المحتملة في كل المراحل. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “النشرة” فإن جديداً لم يُرصد في هذا الإتجاه: المخاطر موجودة في كل دول العالم بشكل مستدام، بينما لبنان هو الأقل عرضة لتلك المخاطر.

اما الحديث عن الحروب فهو يرتبط بمسارات خارجية يُصبح فيها لبنان مجرد ساحة لا قدرة للداخل على رفضها او صدّها. لذا، ما يمكن للبنانيين فعله الا تأليف حكومة وتمرير المراحل بأقل قدر من الخسائر الممكنة في ظل أزمات عالمية تُشغل عواصم الكون ببطالة متفشية في مجتمعات تخلو معظمها من قيم تتوافر في المشرق وفي صلبه لبنان.

مصدرالنشرة - عباس ضاهر
المادة السابقةالمركزي التركي: استقرار الأسعار الهدف الرئيسي وسيؤدي إلى النمو
المقالة القادمةمدير أكبر مصرف روسي يجيب.. ماذا ينتظر روسيا في 2021؟