ما “مصير” 3,2 مليارات دولار في الخارج؟

لطالما كانت العلاقة بين مصرف لبنان والمصارف التجارية جيدة، وتتسِم بالحرفية التي تفرضها المعايير العالمية المتعارف عليها، للتعاون بين المصرف التجاري مع الجهة المنظمة (regulator) والمُشرفة (supervisor) على القطاع. لكن في الحالة اللبنانية يمكن الادعاء انّ العلاقة تخطّت بعض السقوف، واكتسبت صفة الودّ والتعاون المُفرط في فترة من الفترات، من دون أن يعني ذلك تخطّي الخطوط الحمر.

قبَيل ساعات من انتهاء المهلة المُعطاة للمصارف للالتزام بمندرجات التعميم 154، كان لافتاً صدور تعميم وسيط لتنظيم الحسابات الجديدة التي تُعرف بحسابات الـFresh دولار. وقد أُعطيت تفسيرات عدة لصدور هذا القرار، لكن الاسباب الموجبة والأهداف معروفة، ويمكن تلخيصها بالتالي:

اولاً – الفصل التام بين السيولة الخارجية المطلوبة للالتزام بالتعميم 154 (3 % من حجم الودائع)، وبين ودائع الاموال الطازجة.

ثانياً – يخدم التعميم أهداف المركزي في إبقاء الحسابات الجديدة مُحرّرة من أي قيود، وجاهزة للدفع غب الطلب عندما يقرر صاحب الوديعة ذلك.

ثالثاً – يدرك المركزي انّ وظيفة المصارف التقليلدية غير قائمة حاليا، وبالتالي فإنّ الابقاء على نسبة سيولة كاملة (100 %) بالنسبة الى الحسابات الطازجة، لن يؤثّر في الاقتصاد،

في موازاة هذا الوضع، تتحرّك المصارف من منطلق انها لا تريد التملّص من مندرجات التعميم، لكن هناك تساؤلات في شأن بعض النقاط، من أهمها:

اولاً- لماذا يتم التعاطي مع موضوع المهل بخفّة، في حين ان المعوقات التي أوجدتها جائحة «كوفيد 19» حقيقية وليست مجرد ذريعة بدليل ان كل حكومات العالم،

ثانياً – اذا كان مبدأ زيادة الرأسمال مفهوماً، بل يشكّل حاجة توافق عليها المصارف، وتريد تنفيذها في أقصى سرعة ممكنة،

ثالثاً – اذا كان مصرف لبنان حريصاً بهذا القدر على توفير الدولارات الطازجة، لماذا لا يعمد الى اتّباع آلية تضمن عودة الدولارات التي يتم استخدامها،

في المحصلة، سيتمّ تنفيذ التعميم 154 وفق قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، وستُعطى المصارف القادرة على الالتزام الوقت الكافي، برغم الصرامة في اللغة التي يستخدمها مصرف لبنان. لكن المصارف العاجزة عن الالتزام، بصرف النظر عن المهل، سيتمّ التعاطي معها على أساس انّ خروجها من السوق عبر الدمج، او تغيير ملكيتها عبر وضع مصرف لبنان يده عليها، أفضل للجميع.

مصدرجريدة الجمهورية -أنطوان فرح
المادة السابقةالمستشفيات عاجزة عن الاستمرار في هذا الوضع
المقالة القادمةالمديرة الجديدة لمنظمة التجارة تبدأ مهامها وسط تحديات كبرى