في 14 آذار الجاري، طلبت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، من وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام تكليف مصلحة حماية المستهلك لمعاينة القمح العائد لشركة «شبارق ش.م.ل» المحجوز ضمن أهراءات عائدة لمطاحن خاصة، للتحقق من صلاحيته للاستهلاك البشري. يأتي ذلك في ضوء تقارير متناقضة عن صلاحيته. فقد سبق لوزير الزراعة عباس الحاج حسن أن أصدر قراراً منذ نحو عام وشهرين قضى بحجز شحنة القمح وختمها لدى الجمارك لعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري. واستند الحاج حسن إلى تقرير مصلحة الأبحاث العلمية، أي المختبر المكلّف معاينة كل الشحنات المماثلة، الذي كشف وجود تكتّل وعفن في كل العيّنات التي تلقّاها في شباط 2023.
في المقابل، قدّمت شركة «شبارق»، اعتراضاً على قرار وزير الزراعة، أمام القاضي رالف كركبي. الأخير كلّف أحد الخبراء بفحص عيّنات من القمح الأوكراني المخزّن، وخلص إلى عدم وجود أيّ شائبة في الشحنة المستوردة. فأصدر القاضي قراراً لمصلحة الشركة يسمح بإدخال القمح وتوزيعه على المطاحن. وأتى ذلك رغم أن مصلحة الأبحاث العلمية أجرت تحليلاً ثانياً لعيّنات في أيلول 2023 وأكّدت مجدداً وجود تعفّن في القمح، بالإضافة إلى سوس، فرض على المسؤولين عن إجراء التحاليل رفض تسلّم العيّنات خوفاً من انتشار السوس في المختبر.
وفي نهاية الشهر الماضي، صدر قرار القاضي كركبي، مجدداً، لمصلحة الشركة، بعد تقديم الخبير تقريرين ينقضان تقرير مصلحة الأبحاث. استند القاضي إلى مهلة شكلية لا تتصل بالمضمون بشأن «انقضاء مهلة الاعتراض على القرار الصادر عن المحكمة من دون أن تتقدم الدولة اللبنانية بأيّ اعتراض بشأنه». لذا، لم يعد بإمكان هيئة القضايا استئناف قرار كركبي باعتباره قراراً مبرماً، ما دفع الهيئة إلى اللجوء إلى مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد في محاولة لمنع إدخال شحنة القمح المتعفنة.
ولشركة شبارق تاريخ في هذا المجال، إذ تبيّن لمراقبي وزارة الصحة في تشرين الثاني 2016 أن مطاحن الشهباء بإدارة وائل شبارق لديها مواد غذائية فاسدة، فجرى حجز الكمية وأغلقت. تم ذلك بأمر من وزير الصحة السابق وائل أبوفاعور. وفي أيلول 2019 تردّد علناً أن موظفي الأهراءات في مرفأ بيروت أفرغوا نحو 30 طناً من الذرة لمصلحة الشركة، رغم تأكيد مراقبي وزارة الزراعة أن هذه الكميات غير صالحة ومتعفّنة وتحتوي على «البراغيث». بعد نحو شهر، قالت الشركة في بيان إن الشحنة من نوع الذرة الصفراء المعدّة للاستهلاك الحيواني»، وأنه عند تفريغها «تطاير نوع من الفراشات»، مبرّرة أن «الأمر طبيعي بالنسبة إلى المحاصيل المستوردة من البلدان ذات المناخات المعتدلة والتي تعالج عالمياً بإعادة التعقيم».
رغم كل ذلك، واصلت الشركة الاستيراد، علماً أنها واحدة من الشركات التي استفادت من القمح المدعوم على مدى سنوات الأزمة وما قبلها، ولا سيما من المشروع الأخير المموّل من البنك الدولي «الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح». واللافت أنه رغم صدور نتائج تحاليل مصلحة الأبحاث العلمية بعدم صلاحية شحنة القمح في شباط الماضي، لم تعمد مديرية الحبوب والشمندر السكري إلى وقف منح الموافقات لشركة «شبارق» لاستيراد المزيد. فالواقع، أن الدولة اللبنانية تقترض من البنك الدولي وتسجل الديون على مواطنيها، فيما تحصّل شركات من بينها «شبارق» أرباحاً مقابل تقديم القمح المتعفّن للمستهلكين. وكانت لجنة الاقتصاد النيابية برئاسة النائب فريد البستاني، قد ناقشت في 6 آذار هذا الموضوع من دون أن تصدر أيّ توصية ربطاً بإيضاحات منتظرة من وزير الزراعة عباس الحاج حسن لم تظهر بعد. لذا، اكتفى البستاني بتأكيد «وجود تعفّن في القمح والأرزّ الموجود في السوق منذ 7 أشهر» مطالباً بوقف توزيع الشحنة ومشيراً الى اعتزام اللجنة «تشكيل لجنة تحقيق برلمانية ليعرف الناس والقضاء الشركات المخالفة التي يجب وضعها تحت المجهر ومضاعفة الغرامات لردعها». وفيما لم يقم أيّ مسؤول بإجراء ردعي، فإنّ الحكم القضائي الصادر لمصلحة الشركة سيشجّع على مخالفة قرار وزارة الزراعة، ويتيح لكل شركة تستورد سلعاً فاسدة إدخال البضاعة إلى السوق.