محرّك الاستهلاك لدى المواطنين “نفسي” والطبقة الوسطى “تكذب” على نفسها

يعيش المواطن اللبناني في حالة إنكار للواقع منذ اشتداد خناق الازمة التي عصفت بمجتمعه، ما انعكس على سلوكياته البشرية – الاقتصادية بطرق غريبة يصعب تفسيرها. اعتدنا في السنوات الأخيرة على مشاهد “الهلع” في السوبرماركت والتقاتل على لقمة العيش والتهافت لشراء المواد الغذائية خوفاً من انقطاعها، لا سيما الأساسية منها كالحبوب والخبز والحليب. مشهدية قابلها زحمة مطاعم، ومقاهٍ امتلأت بالناس الساعين للتمويه عن أنفسهم بغية فك طوق “الخنقة” التي تسببت بها جائحة كورونا بعد حبسهم لشهور في المنازل وتقييد حركتهم اليومية جراء قرارات التعبئة العامة.

هذان المشهدان المتناقضان يدفعاننا للتساؤل عن سلوكيات الافراد في الازمات.

أين يصرف اللبنانيون أموالهم؟

في إجابة عن هذا السؤال يفند الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لصحيفة “نداء الوطن”، السلع التي تشكل أكبر نسبة استهلاك لدى المواطن اللبناني بالترتيب حيث تأتي في المرتبة الأولى المواد الغذائية ويتبعها في المرتبة الثانية الألبسة والاحذية وفي المرتبة الثالثة الإلكترونيات.

ويلفت شمس الدين إلى أنّ “مظاهر الترف في المجتمع اللبناني تراجعت بشكل جذري، وما نراه من زحمة في بعض المقاهي يعود لـ 200 ألف عائلة لبنانية من أصل مليون عائلة، ظروفهم الاقتصادية والمادية لم تتأثر بالوضع الحالي، وهم بأغلبيتهم من الطبقة الغنية أو الوسطى التي تحاول الحفاظ على نمط حياة أو مستوى اجتماعي معين، أي أنّ 20% من العائلات اللبنانية قادرون على عيش حياة طبيعية وسط الازمة الاقتصادية الصعبة، فيما 80% يعتبرون أن قصد المطاعم والمقاهي أصبح من الكماليات بالنسبة لهم”، مؤكداً انّ “حركة المطاعم تراجعت بنسبة 70%”.

في المحصلة يصعب فهم سلوك الفرد الاقتصادي في الازمات، حيث تختلف ردة فعل كل شخص وطريقة تفاعله مع الازمة، ففي الوقت الذي تكمل فيه الطبقة الغنية (ونسبتها 5%) حياتها بشكل طبيعي، لا بل تحسنت أوضاعها بفعل الازمة وحققت أرباحاً مع فارق سعر الصرف بين الدولار والليرة، يعتمد البعض الآخر سياسة التقشف وخصوصاً الطبقة الفقيرة والتي تخطت نسبتها الـ55% (بعد ان كانت 25 % أي ارتفعت الى الضعف) بحسب الدولية للمعلومات، ونسبة الفقراء تتوزّع على فئتين، الاولى نسبتها 25 بالمئة تحت خط الفقر بما يوازي حوالى مليون ومئة الف لبناني لا يتجاوز دخل الفرد فيها 8 آلاف ليرة لبنانية، وهي فئة غير قادرة على تأمين الغذاء السليم، والثانية تضم حوالى مليونين و300 ألف لبناني من الفقراء لكن الذين يُعتبرون من فئة فوق خط الاكثر فقراً، من أصل 4 ملايين و300 ألف نسمة في لبنان. فيما يقوم القسم الثالث بردة فعل عكسية تدفعه الى الصرف غير المبرر بمحاولة للتمويه والخروج من واقعه القاتم وإقناع نفسه بأنه لا يزال قادراً على عيش حياته بشكل طبيعي وبأن الأزمة لم تؤثر عليه، معظم هؤلاء من الطبقة الوسطى أو “الفقراء الجدد” الذين انخفضت نسبتهم من 70% الى 40%. ولكي تعي هذه الطبقات مصيرها تحتاج الى حملة توعية يقودها خبراء اقتصاديون لإرشاد الناس وتوعيتهم على السبل الأمثل لاجتياز هذه الازمة بأقل خسائر ممكنة.

مصدرنداء الوطن - باولا عطية
المادة السابقةمركز اتصالات «تاتش»: صراع متجدد على العقود
المقالة القادمةالسياسة “تُنفّس” إصلاح رواتب القطاع العام بعدما “نفخته” بالتوظيف الزبائني