مركز اتصالات «تاتش»: صراع متجدد على العقود

منذ تشرين الأول 2020 صارت الدولة تدُير قطاع الخلوي بشكل مباشر. ذلك كان مطلباً أهلياً، سعى إليه وناضل من أجله كثر. الهدف كان ببساطة وقف الهدر في قطاع وُصف يوماً بأنه نفط لبنان. الهدر أسبابه عديدة، أبرزها أن الطبيعة القانونية للشركتين (شركتان خاصتان تملكهما الدولة لكن تخضعان للقانون التجاري)، سمحت بفتح صناديق الشركتين للتنفيعات السياسية والمالية، من دون رقيب أو حسيب. فلا هما تخضعان للآلية الرقابية التي تخضع لها الإدارات والمؤسسات العامة، ولا هما، بالممارسة، شركتان مستقلتان عن القرار السياسي.

اجتماعات لجنة الإعلام والاتصالات النيابية كشفت أنه على مدى أشهر وسنوات كانت صناديق الشركتين مفتوحة على هدر وسمسرات بعشرات ملايين الدولارات. وبعد تسلّم الدولة للقطاع، كل ذلك اختلف، لكنه لم يتوقف. لا إحصاءات دقيقة عن مقدار التوفير.

هذه المشكلة تبدو جلية أكثر في «تاتش». فشركة «زين» التي كانت تديرها، رفضت الدفع للمتعهدين في الأشهر الأخيرة، بحجة عدم توقيع العقد معها، بعكس شركة «أوراسكوم» التي كانت تدير «ألفا». ذلك خلق عند «تاتش» مشكلة لم تعالج حتى اليوم. لو دفعت للمتعهدين في الوقت المناسب، لما وجدت مشكلة الدفع بالدولار أو بالليرة، فبعض المتأخرات تعود إلى بداية 2019. التأخير فاقم قيمة المبالغ المستحقة على الشركة، التي صارت أغلب مداخيلها بالليرة. ولذلك، بدأت مرحلة المفاضلة بين المتعهدين. من يقبض بالدولار النقدي ومن يقبض باللولار ومن يقبض بالليرة.

وهنا لم تلجأ إدارة «تاتش» إلى قدراتها الذاتية لتأمين حاجتها من الموظفين لإدارة المركز، بالرغم من أن القاصي والداني يدرك أن لديها فائضاً من الموظفين الذين يقبضون ولا يعملون. لكن مع ذلك، فضّلت إدارة «تاتش» إجراء مناقصة للحصول على خدمات 70 موظفاً متعاقداً يضافون إلى موظفي الشركة المسؤولين عن إدارة المركز.

بالنتيجة، شاركت في المناقصة أربع شركات، هي: Telesupport وAkorn وCplus وVoccity. الشركة الأخيرة أنشئت قبل أشهر قليلة من المناقصة. أما شركة Cplus، وهي شركة التنظيفات المتعاقدة مع «تاتش»، فقد طلب منها التقدم إلى المناقصة، في ما بدا محاولة لزيادة عدد المتقدّمين وإضفاء شرعية على المناقصة. وبالنتيجة، كان العرضان الجديان هما عرضي الشركتين الأولين، أي TeleSupport وAkorn. وقد قررت لجنة التلزيم إعطاء الأولى العلامة الأكبر أي 96 في المئة، مقابل 52 في المئة لـ«أكرون»، من دون أن يكون هنالك أي أسس واضحة للتقييم.
اعترضت شركة «أكرون» أمام وزير الاتصالات، على اعتبار أن هذه النتيجة، تحدد سلفاً اسم الفائز بالمناقصة بصرف النظر عن قيمة العرض المالي. إلا أن الوزارة دعت إلى السير بالنتيجة لأنها لم تجد فيها أي عيب يستدعي إعادة النظر فيها.

ثمة من يسأل: هل تحتاج شركة «تاتش» إلى موارد خارجية لتشغيل مركز الاتصالات 111؟ الجواب عند عاملين في القطاع هو «حكماً لا، فالشركة إذا كانت حريصة على ضبط الإنفاق فلديها ثلاث طبقات من التوفير، بالتعاون مع وزارة الاتصالات: إما العمل على توحيد هذه الخدمة بين شركتي الخلوي، وهو أمر لا يحتاج إلى جهد كبير ويوفر نصف الكلفة على الأقل. وإما الاعتماد على القدرات الذاتية للشركة، وهو أمر ممكن نظراً إلى الفائض الكبير ويوفر نحو مليون و400 ألف دولار مصرفي سنوياً (علماً بأن المركز يدار حالياً من قبل موظفي «تاتش») ستحصل عليها الشركة التي تفوز بتقديم هذه الخدمة. وفي الحد الأدنى، ومع افتراض صحة عدم قدرة موظفي الشركة على القيام بالمهمة، يمكن للشركة أن تقوم بنفسها بتوقيع عقود مع الكادر الوظيفي لشركة Teleperformance أو تتعاقد مع آخرين. بشكل أدق، يمكنها أن توقع مع هؤلاء العقود نفسها التي ستوقعها معهم أي شركة تفوز بالمناقصة، بما يسمح بتوفير نحو 10 في المئة من قيمة العقد هي أرباح الشركة الوسيطة.

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةمشروع بطاقة الدعم إلى «المالية»: لا مصادر تمويل
المقالة القادمةمحرّك الاستهلاك لدى المواطنين “نفسي” والطبقة الوسطى “تكذب” على نفسها