مخاوف الركود العالمي تُخفت زخم الإدراجات في الشرق الأوسط

رصد محللون اتجاها ترسمه بعض الشركات في الشرق الأوسط يتمحور حول تأجيل خطط الإدراج إلى عام 2024 بدلا من العام الجاري وسط مخاوف من ركود عالمي قد يزيد من عمليات المخاطرة.

وتشهد سوق الطروح العامة الأولية العالمية حالة ركود منذ بداية عام 2022 وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع التضخم إلى تراجع الرغبة في المخاطرة إذ خشي المستثمرون عمليات رفع أسعار الفائدة التي تمت بلا هوادة.

لكن الشرق الأوسط برز كنقطة مضيئة للطروح العامة الأولية العام الماضي واستمر في هذا الوضع حتى الآن إلى حد كبير، مع إدراج عدة شركات في بورصات الإمارات والسعودية.

وقال جيمس بالمر رئيس أسواق رأس المال لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في بنك أوف أميركا لرويترز إن “المسار مشجع على الرغم من أننا لا نتوقع موجة ضخمة في النصف الثاني من هذا العام”.

وأوضح أن العديد من العمليات تركز بشكل أكبر على أوائل أو منتصف العام المقبل، بدلا من نهاية هذا العام، وأحجم عن التوضيح بذكر أمثلة محددة.

لكن بالمر قال إن “الأهم من ذلك أن وجهة نظر السوق بشأن الوقت الذي نصل فيه إلى أعلى المستويات لا تزال تخضع لتقييم ديناميكي وتغذي حالة الضبابية. وهذا تحد للسوق نحتاج إلى المرور به”.

ورغم المخاطر المتزايدة يشعر المحللون بتفاؤل شديد بأن عام 2023 سيحقق نتائج واعدة لأسواق المال في الخليج بنفس القدر الذي تحقق العام الماضي بناءً على التدفق الأكبر للاستثمارات والشركات التي تنتقل إلى المنطقة.

وشجعت الإجراءات والتدابير، التي اتخذتها حكومات المنطقة العربية وخاصة الخليجية بشأن تعزيز نشاط بورصاتها، التي تشهد طفرة غير مسبوقة، كبار بنوك الاستثمار الأميركية على استكشاف الفرص الممكن الاستفادة منها في هذا المجال.

وجعلت أبوظبي ودبي والسعودية ومصر وبدرجة أقل سلطنة عمان والبحرين أسواقها المالية أكثر جاذبية مع المضي في سياسة إدراج الشركات المملوكة للدولة.

ورغم الهزات العنيفة والتقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق في أماكن أخرى، فإن طفرة الاكتتاب العام في المنطقة اكتسبت زخما مع ارتفاع أسعار النفط والغاز في أعقاب الحرب في شرق أوروبا.

ومنذ ذلك الحين تفوقت الطروحات في الشرق الأوسط على أوروبا للمرة الثانية فقط منذ الأزمة المالية العالمية إذ يعمل المستثمرون الإقليميون على الاستفادة من السيولة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط.

وأشار أحدث تقرير من إرنست ويونغ حول نشاط الاكتتابات في المنطقة العربية، إلى تسجيل رقم قياسي العام الماضي بلغ 51 إدراجا جمعت 22 مليار دولار بارتفاع سنوي قدره 143 في المئة بعدد الصفقات و179 في المئة في قيمتها، بمقارنة سنوية.

واستحوذت أسواق الخليج العربي على 21 في المئة من حجم الاكتتاب العالمي خلال العام الماضي، مقارنة باثنين في المئة فقط في عام 2021.

وبلغت حصيلة الاكتتابات العامة الأولية من الرياض إلى أبوظبي نحو 4.8 مليار دولار منذ بداية 2022 وحتى الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بنحو 3.9 مليار دولار في أوروبا، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبرغ.

ومن النادر أن تتفوق أسواق الشرق الأوسط على أساس ربعي أمام نظيراتها من الأسواق العالمية، وحدث هذا الأمر للمرة الأولى منذ عام 2009، وكان ذلك نهاية العام الذي سبق تفشي الجائحة، عندما سجلت أرامكو أكبر إدراج في العالم على الإطلاق.

ويتصدّر بنك الرياض السعودي المركز الأول في جدول مرتبي الطروحات العامة الأولية، الذي تصدره بلومبرغ لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، خلال الربع الأول من 2023، والذي عادة ما تهيمن عليه المؤسسات الأميركية والأوروبية.

وتظهر الإحصائيات أنَّ نصف أكبر الإدراجات من حيث القيمة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا منذ مطلع العام الماضي جاءت من الخليج العربي.

وأوقف مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) في أحدث اجتماعات السياسة دورة رفع الفائدة والتي استمرت 15 شهرا، وهي الأكثر تشددا منذ عقود. لكن الأسواق تتوقع زيادة جديدة في سعر الفائدة في الاجتماع المقبل هذا الشهر.

وقال بالمر إن البعض من المسؤولين بشركات تعمل في الشرق الأوسط “يساورهم شعور جيد إزاء الثقة في التحول الهيكلي بالمنطقة، أي الالتزام في المنطقة بتطوير أسواق رأس المال والنهوض بها، والتزام الكيانات المحلية بإظهار الدعم المالي لها”.

وكانت موجة الطروح العامة الأولية في الخليج التي بدأت العام الماضي مدفوعة ببرامج الإدراج التي تقودها حكومات المنطقة في السعودية وأبوظبي ودبي.

ولدى الكثيرين من محللي أسواق المال قناعة بأن المنطقة تعد نقطة مضيئة في مشهد كئيب بمجال طروحات الأسهم، والتي تقترب من أدنى مستوياتها منذ عقدين على مستوى العالم، في ظل تأثر إقبال المستثمرين بمخاوف الركود.

ويرون أن طرح الشركات الحكومية الناجحة أمر مرغوب به لتنويع العملية الاقتصادية، ولزيادة الرقابة المطلوبة على تلك الكيانات، ويدعم أداءها التشغيلي، ومن ناحية أخرى تسرّع من عملية نضج الأسواق المالية في دول المنطقة.

ويعتقد بالمر أن رغبة المستثمرين الأجانب في الطروح العامة الأولية في الشرق الأوسط ما زالت مستمرة.

وخلال الفترة التي تسبق الاكتتاب العام عادة، تقوم الشركات والمصرفيون بجولة حول العالم ومقابلة مستثمرين كبار يمكنهم الشراء في الاكتتاب.

وبينما تقوم الصناديق الكبيرة من حين إلى آخر بزيارات ميدانية للمرشحين للاكتتاب العام، فمن النادر بالنسبة إليهم السفر للقاء مجموعة بشكل جماعي.

وفي مارس الماضي توقَّع محللو البنك الاستثماري الأميركي مورغان ستانلي أن تجذب أسواق الأسهم بمنطقة الشرق الأوسط تدفقات أجنبية بقيمة 82 مليار دولار، في ظل استمرار تفوقها النسبي الكبير على أداء أسواق الأسهم العالمية هذا العام.

وقالت مارينا زافولوك رئيس أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا لأبحاث وإستراتيجيات الأسهم في البنك إن “التدفقات سترتفع مع تزايد انكشاف صناديق الأسواق الناشئة العالمية على المنطقة، ومع زيادة وزنها على مؤشر مورغان ستانلي لأسهم الدول النامية”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالدولار يستقر قبيل صدور محضر اجتماع «الاتحادي»
المقالة القادمةالاقتصادات النامية متعطشة لاستثمارات الطاقة النظيفة