التعليم الخاص الذي يضمّ ثلثَي تلامذة لبنان، وتحوّل في السنوات الاخيرة إلى قطاع يدرّ عائدات وفيرة ويضمّ كارتيلات تتحكّم بالقرار التربوي، سيواجه أزمة لم يعرفها من قبل. إذ إن استئناف التعليم الحضوري، في ظل هذا الوضع المالي والاقتصادي، سيرفع الأقساط المدرسية حتماً، بما يتناسب مع التضخم في النفقات التشغيلية وتسيير عمل المدارس بصورة طبيعية… وتحقيق الأرباح. وسيشكل ارتفاع سعر صرف الدولار والرفع المرتقب للدعم عن الوقود الحجة الأقوى للمدارس لرفع أقساطها ضعفين، وربما أكثر في حال اللجوء إلى زيادة رواتب المعلمين والموظفين. وربما تقلّص المدارس الحصص الأسبوعية لبعض المواد التعليمية، وتلغي المواد الإجرائية كالموسيقى والفنون والروبوت والتكنولوجيا، بهدف تخفيف النفقات التشغيلية، من دون إغفال أن الأوضاع المتدهورة قد تؤدي الى إقفال بعض المدارس نهائياً.
رفع الأقساط سيتفاوت بين مدرسة وأخرى. وقد يجنح البعض نحو أقساط خيالية بحجة تفادي العجز المالي، ما سيؤدي إلى خسارة عدد كبير من التلامذة لعدم قدرة الأهالي على تغطية الأقساط الجديدة، ما سيعني صرف مزيد من المعلمين. هذه الإجراءات التقشفية ستكون لها انعكاسات سلبية على جودة العملية التعليمية في هذه المدارس، لأنها ستحدّ بشكل كبير من الاستخدام الطبيعي للوسائل التعليمية والمخبرية واللوجستية في المدرسة، خشية تعطّلها، وسيستبدل الاستخدام الورقي للكتيّبات والبطاقات التعليمية بملفات رقمية من صيغة pdf، مع تقليل الأنشطة التعليمية اللاصفية التي تتطلّب تكاليف خاصة، فضلاً عن خسارة هذه المدارس عدداً كبيراً من الكفاءات التعليمية التي ستتوجه للبحث عن فرص عمل أفضل داخل البلاد أو خارجها.
ولن يكون التعليم الرسمي بمنأى عن تأثيرات العاصفة الاقتصادية والمالية. فإذا كانت الدولة قادرة حتى الآن على دفع رواتب المعلمين ومستحقات المتعاقدين، والتي خسرت ٩٠ بالمئة من قيمتها الشرائية، فإن المدارس الرسمية التي ستشهد نزوحاً لتلامذة المدارس الخاصة إليها، لن تكون قادرة على تلبية متطلبات الصيانة للأجهزة والمختبرات وماكينات الطباعة والمولد الكهربائي وتأمين الوقود والموارد اللوجسيتة الخاصة بالعمليتين الإدارية والتعليمية والصحية وغيرها.
بدورهم، سيكون المعلمون الفئة الأكثر تأثراً بالانهيار. وفي وقت لن تتحسن فيه رواتبهم في المدى المنظور، باستثناء بعض المدارس الخاصة المدعومة خارجياً، سيكون التململ من الحضور اليومي الى المدارس سيد الموقف. بطبيعة الحال، سيدفع هذا الواقع عدداً من المعلمين الى تقديم استقالتهم من التعليم، وخصوصاً المتعاقدين منهم، والبحث عن فرص عمل أفضل داخل البلاد أو خارجها. وقد بدأ ذلك بالتمظهر من خلال آلاف الطلبات المقدّمة إلكترونياً للتعليم في الخارج، ولا سيما في دول الخليج حيث تراوح الأجور بين 2000 و3000 دولار شهرياً، تبعاً للكفاءة العلمية والخبرة التعليمية.