قلّة قليلة من اللبنانيين تنجز معاملاتها، داخل الدوائر الرسمية، من دون دفع “إكرامية” لتسيير بعض الأوراق المهمّة سريعاً لتجنّب إضاعة ساعات وأيّام من الإنتظار… هذا إذا لم يصطدم المواطن بعبارة “مقفل بسبب الإضراب” على بعض مداخل مؤسسات الدولة…
ولكن هذه المعاناة قد لا تطول، ومشهد الطوابير في الدوائر الرسمية، قد يمحوه الزمن في الجمهورية اللبنانية، إذا طُبّق مرسوم المعاملات الإلكترونية (27/2024) الذي مرّ مرور الكرام بين مقرّرات الجلسة الأخيرة لحكومة تصريف الأعمال، علماً أنّه يُعتبر تحوّلاً رقميّاً يستحق التوقّف عنده لشرح تفاصيله وأهميته وكيف سينعكس إيجاباً على تسيير شؤون المواطنين.
بوشكيان: مرسوم “الأسناد” بداية للخطّة الإصلاحية
يشرح وزير الصّناعة في حكومة تصريف الأعمال النائب جورج بوشكيان، أهميّة موافقة الحكومة على المرسوم التطبيقيّ للمادة الثامنة لقانون المعاملات الإلكترونية رقم 81 تاريخ 10/10/2018، والذي يُعطي المجلس اللبنانيّ للاعتماد (COLIBAC)، وهو هيئة الاعتماد الوطنيّة التي تقعُ تحت سلطة وصاية وزارة الصناعة، صلاحية اعتماد التواقيع الإلكترونية في السندات الرسميّة والمعاملات الرسمية للأشخاص، قائلاً في حديث لـ “نداء الوطن”: ” مرسوم الأسناد الإلكترونية عمره عشرات السنوات، وللأسف تمّ تأخيره مراراً الّا أنّه اقرّ أخيراً، وسيعطى الدور الأساسيّ به لوزارة التنمية الإدارية التي وكّلها دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للقيام بهذه المهمّة، وهي قامت بدورها بإجراء التنسيق الكامل مع وزارة العدل اللبنانية ووزارة الصناعة لقوننة مرسوم الأسناد الإلكتروني ليصبح رسمياً”.
وتابع: “قمنا بإجراء الآلية التطبيقية له بالتنسيق مع الوزارات ودور وزارة الصناعة يكمن بمؤسسة الاعتماد اللبناني COLIBAC والتي كانت غير مفعّلة للأسف سابقاً، فأعدنا تفعليها وستعتمد على أسس عالمية لتطبيق الـe-signature، اي التوقيع الالكتروني الذي يضمن الخصوصية للبنانيين”.
وشكر بوشكيان “الوزيرين هنري خوري ونجلا الرياشي على جهودهما منذ أكثر من سنة لجمع كل النقاط في ما خصّ قرار الأسناد الرقمي”.
أضاف: “مرسوم الأسناد الإلكترونية من بين الإنجازات الكثيرة للحكومة الحالية، وهو يعتبر بداية للخطّة الإصلاحية، التي لا يمكننا القيام بها من دون الحكومة الالكترونية ومن دون هكذا آلية، وهي الركن الأساسي، وبات من السهل على أي وزارة أن تتحوّل معاملاتها الى رقمية، وقد بدأ التطبيق، واليوم سيتمّ تعيين لجنة مختصّة لمتابعة الملف من أجل وضع الآليات التطبيقية داخل الوزارات وستشمل كل القطاعات الحيويّة”.
وأردف وزير الصناعة: “الإمضاء مثلاً على السجل العدلي سيستغرق ثواني معدودة، وسيتمكّن المواطن اللبناني من سحبه رقمياً مع التوقيع الرسمي المعتمد. والأسناد يهدف الى تسهيل حياة المواطن في كل الدول، التي باتت قائمة على أساس الحكومة الإلكترونية، وهو مدخل للمكننة”.
وتابع: “على عكس الكلام القائم، سيحافظ الموظف في القطاع العام على دوره الفعّال من الرقابة الى متابعة الملفات وغيرها”.
وردّاً على سؤال عن فرضية خرق الخصوصية نتيجة المعاملات الرقمية، جزم بوشكيان بأنّه “ستكون هناك مراقبة مباشرة من الأمن السيبراني وبالتنسيق مع كل الجهات الأمنية المختصة، وستكون الآلية محصّنة بطبيعة الحال، ولسنا الدّولة الأولى في العالم التي تعتمد هذه الآلية”.
وعن الموعد المحتمل لإطلاق هذه الآلية، قال: “أتمنّى أن يتحقّق ذلك في القريب العاجل لمواكبة التطوّر العالمي في أقرب فرصة”، مشيراً إلى أنّ “كلفة المشروع هي صفر دولار، أي أنه لم يكلف الحكومة اللبنانية شيئاً، وهي تندرج ضمن واحدة من الخطط التي قامت بها الحكومة خلال الوضع الصعب”.
الرياشي: مرسوم الأسناد حجر الأساس للحكومة الرقمية
بدورها، قالت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في حكومة تصريف الاعمال نجلا الرياشي لـ “نداء الوطن” إنّ وزارتها كانت “قدّمت استراتيجة التحوّل الرقمي الى الحكومة التي اعتمدتها وأقرّتها، ومهمّة الوزارة هي السهر على البدء بتطبيق هذه الاستراتيجية وحالياً بدأت العمل على الخطّة التنفيذية”.
اضافت: “هذه الاستراتيجية تعدّد كل النّصوص القانونية اللازمة لتطبيق التحوّل الرقمي في لبنان. ومرسوم الأسناد الالكترونية هو أوّل نصّ قانونيّ من بين المراسيم التي يجب ان نعتمدها لتطبيق استراتيجية التحوّل الرقمي”.
وأوضحت الرياشي أنّ “وزارة الدولة لشؤون التنمية لادارية ترأس لجنة التحوّل الرقمي ولجنة وضع المراسيم التطبيقية لقانون المعاملات الإلكترونية، ومن هذا المنطلق، كان تعاوننا مع وزارة العدل، وهي صاحبة الصلاحية القانونية لاقتراح المرسوم على مجلس الوزراء، ومع وزارة الصناعة، وهي جهة الوصاية على المجلس اللبناني للاعتماد Colibac. كما استعنّا بخبراء ومحامين الذين وجّهونا لاتخدام أفضل السبل لتطبيق المرسوم”.
تابعت: “أمّا لماذا عملنا أوّلاً على هذا المرسوم؟ باختصار، لأنّه الحجر الأساس للحكومة الرقمية. فالحكومة والمواطن على توافق تامّ بشأن ضرورة النهوض بالقطاع الرقميّ في لبنان، كي ننجز خطوات مهمّة في اتّجاه الاصلاح المؤسساتي ومكافحة الفساد. وسيتمّ ذلك عبر استخدام التكنولوجيا المتطوّرة وتطويعها لتقديم خدمات عامّةأكثر كفاءة وفعالية وأمناً وتطوّراً وجودة للمواطن. وهكذا نكون طوّرنا العمل الحكومي من أجل تحسين الأداء وتلبية تطلّعات المواطنين”.
وبحسب الرياشي المطلوب الآن “تنظيم ورش عمل على مستوى الإدارة ككلّ، من أجل تغيير ثقافة الموظّف والمواطن على حدّ سواء. فعلينا تدريب الموظّف على كيفية تطبيق التوقيع الالكتروني، وإرشاد المواطن الى سبل استخدام هذه الآلية الجديدة البعيدة عن اي تعاطي مباشر مع الموظف”.
اضافت: “لهذه الغاية، يجب أن تكون هناك فرق فنّيّة معنيّة بالموضوع، مهمّتها وضع التفاصيل التقنية لتنفيذ المرسوم، من خلال تمكين الكوادر البشرية ومدّها بالتقنيّات المتقدّمة”.
وختمت بالقول: “الإرادة موجودة، وكذلك الكوادر البشرية. لدينا الكثير من الكفاءات التي يجب تطويرها وتنميتها. وما ينقصنا هي الأدوات التقنيّة المتقدّمة وهو ما نعمل عليه من أجل ضمان تطبيق سلس للمرسوم”.
شارل عربيد: المرسوم يقدّم الكثير للبنان
أمّا رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد فاعتبر في تعليق مقتضب أنّ “مرسوم الأسناد الإلكترونية، صحيح أتى متأخّراً، ولكنّه مهمٌّ جدّاً ونحن مؤيّدون جدّاً للموضوع”.
وأردف: “الأسناد يقدّم الكثير للبنان، حيث يوجد مصداقية في بيئة العمل بالمجمل، ويخفّف كلفة إجراء المعاملات من أوراق وحبر وكهرباء وطباعة وغيرها”.
الباشا: خطوة مهمّة ولكن…
من جهته، شرح الخبير المتخصّص في الشؤون المعلوماتية والرقمية جان – ماري الباشا لـ “نداء الوطن” أنّ “مرسوم الأسناد الإلكترونية هو تحويل كل مستند صادر عن الدوائر الرسمية في الدولة اللبنانية الى مستند رسميّ موقّع من قبل الدولة الكترونياً”.
وأعطى الباشا مثالاً عن “السجل العدلي”، قائلاً: “بدل الوقوف في الطابور لإنجاز معاملة رسميّة كالسجل العدلي يصبح باستطاعتنا بعد هذا القرار، الحصول على المستند الرسمي من خلال الدخول الى الموقع المختصّ بالوزارة المعنيّة وتقديم الطلب رقميّاً والحصول على المستند موقّعاً من الدولة اللبنانية من دون طوابع مالية”.
أضاف: “صحيح أنّ أيّ مستند صادر بحاجة لتوقيع الجهة الرسمية اللبنانية ولكن قانون التوقيع الإلكتروني الصادر سابقاً (181) بحاجة الى الموافقة والشهادة مع تشكيل هيئة متابعة بغرض الحصول على الـe signature”.
واشار الى أنّ “القرار الحكومي الأخير مهمّ جداً لكن لا يزال ينقصنا الكثير من التفاصيل لتطبيق الآليات المعتمدة له”.
وتابع سائلاً: “من الذي يرعى خصوصية المواطن اللبناني ومن الذي يحفظ حقّه؟ من الذي سيحافظ على أمن هذه المعاملات؟ ومن هو المرجع للجوء اليه في حال حدوث أي خطأ بالمعاملات؟”.
كما اعتبر أنّ “الإمضاء الإلكتروني يجب أن يستحصل على شهادة معتمدة دولياً تحت إشراف أمنيّ وسيبراني”، موضحاً أنّ “التوقيع الرقميّ بحاجة لشهادة مقسّمة الى آلية تضمن مفتاحين، المفتاح الأول يختصّ بالشخص ويكون علنيّاً، والمفتاح الثاني يكون خاصّاً أي Private KEY”.
بالمختصر، يؤسّس فتح باب إطلاق الحكومة الرقمية، بالفعل الطريق الى الإصلاح في المؤسسات، وهذا ما تشدّد عليه كل الجهات الغربية والعربية، وتطبيقه يغيّر مفهومنا للمعاملات الحكومية… ويبقى الأمل بأن ينتقل مرسوم الأسناد الإلكترونية، سريعاً من الورق الى التنفيذ، فتكون خطوة مهمّة للبنان في رحلة الألف ميل على طريق الإصلاحات.