مساعي تركيا للالتحاق بالاقتصادات العملاقة..

محمد أفزاز

شكّل حدث تدشين أول قطار كهربائي من صنع محلي، محطة بارزة ضمن مساعي تركيا للحاق بالاقتصادات الكبرى عالميا، وتزامن ذلك مع استمرار ارتفاع مؤشر الثقة الاقتصادية بالبلاد. فهل تستطيع تركيا اللحاق بنادي العشرة الكبار كما يأمل ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان رغم تداعيات فيروس كورونا؟

أظهرت بيانات من معهد الإحصاء التركي انتعاش مؤشر الثقة الاقتصادية في يونيو/حزيران بنسبة 19.1% مقارنة بالشهر السابق ليسجل 73.5 نقطة، مواصلا بذلك تعافيه للشهر الثاني من مستويات بالغة التدني نجمت عن إجراءات مكافحة فيروس كورونا.

وتؤكد الحكومة التركية أن انتعاش مؤشر الثقة الاقتصادية سيواصل ارتفاعه خلال العامين الجاري والمقبل.

وتعليقا على هذا الأمر يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي شهاب أحمد العزعزي إن هذا الارتفاع يعني أن تركيا تجاوزت التحديات المحلية والدولية وأصبحت قادرة على الاستمرار في برامجها التنموية، وفق رؤية تركيا 2023.

ويضيف للجزيرة نت أن تركيا بدأت بتقديم مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد لتجاوز الصعوبات، مشيرا إلى أن مواردها المالية العامة أصبحت في وضع طبيعي.

وتوقع العزعزي أن يبدأ تصنيف تركيا الائتماني على ديونها السيادية في الارتفاع، في وقت فتحت فيه الباب لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لتلبية حاجات التمويل الخارجي الكبيرة لتركيا، بجانب احتمالات تنفيذ إصلاحات هيكلية.

وأشار العزعزي إلى أن عجلة الاقتصاد عادت إلى الدوران بشكل طبيعي مع فتح الحياة تدريجيا وفتح الطيران وعودة الوظائف ومختلف قطاعات الأنشطة وفق ضوابط التعقيم.

أما الباحث في العلوم المالية والمصرفية عبد الله حرب، فاعتبر أن ارتفاع مؤشر الثقة يعكس مدى ثقة المتعاملين مع الاقتصاد التركي -منتجين ومستهلكين- وغيرهم بمستقبلهم المالي (المداخيل والأرباح..) خاصة على المدى القصير، بالإضافة إلى الثقة بحدوث نمو في المستقبل.

وقال للجزيرة نت إن هذه الزيادة جاءت على خلفية الإدارة الجيدة لأزمة كورونا -التي أثرت على اقتصاد العالم بأسره- طبيا واقتصاديا.

ولفت حرب إلى أن من العوامل المساعدة على ذلك، أن تركيا لم تغلق اقتصادها بشكل كامل، مما ساهم في عدم تدهور الأوضاع بشكل كلي.

قطار محلي الصنع

بالتزامن مع تحسن الثقة بالاقتصاد التركي، بدأت تركيا اختبار أول قطار كهربائي محلي الصنع قال عنه وزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى وارناك إنه تم إنتاجه بقدرات محلية، وإن ذلك يشكل دليلا على مدى تطور التكنولوجيا المحلية في البلاد.

وسيدخل هذا القطار حيز الخدمة العامة نهاية العام الجاري، في حين تتطلع تركيا لأن تصبح مركزا عالميا لإنتاج القطارات.

وتخطط تركيا لاستثمار 15 مليار يورو في مجال السكك الحديدية خلال الأعوام الـ10 المقبلة.

وكان لافتا أن تطلق تركيا هذا المشروع الكبير في ظل أزمة اقتصادية عالمية بسبب تداعيات فيروس كورونا.

ويقول حرب إن تركيا استفادت من أزمة كورونا لتحسين مكانتها عالميا على صعيد القطاع الصناعي، ويضيف أن هذا القطاع ينمو بقوة ويحظى بدعم حكومي كبير، خاصة الصناعات التحويلية والخفيفة وصناعات الأمن الغذائي.

ويشير إلى أن تركيا طرحت نفسها كبديل لعدد من الدول التي واجهت صعوبة في إمداد المتعاملين معها بالاحتياجات اللازمة، وأوضح أن أنقرة لديها من الإمكانيات للعب دور أكبر ضمن خارطة التجارة العالمية بالنظر إلى موقعها الجغرافي ووجوده في عقدة سلاسل التوريد العالمية، وقدرتها على التعامل مع الطلب العالمي.

وشهدت السنوات العشر الأخيرة في تركيا ثورة عملاقة في عدد من الصناعات، بينها الصناعات الاستهلاكية والبحرية والدفاعية.

فقد بدأت تركيا فعليا إنتاج سيارتها القومية بتقنية محلية بنسبة 100% مطلع هذا العام، في حين بلغت عائدات صناعة وتصدير السيارات وقطع غيارها خلال عام 2019 قرابة 32 مليار دولار.

وتنتج البلاد اليوم نحو 46% من احتياجاتها للطاقة من مشاريع الطاقة المتجددة لاستثمار طاقتي الشمس والرياح، وتتطلع لرفعها إلى 56% بحلول عام 2023.

كما تعتزم أنقرة إطلاق قمرها الصناعي المحلي للاتصالات “توركسات 6 أي” عام 2022.

عسكريا، باتت تركيا تعتمد على الإنتاج المحلي في جزء كبير ومهم من متطلباتها بعد أن كانت تعتمد على الخارج بشكل شبه كامل، وسط طموحات واسعة بتحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد كليا على الإنتاج المحلي مع حلول عام 2023.

وتهدف أنقرة إلى تصدير منتجات عسكرية دفاعية تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار في العام الجاري، ورفع سقف صادراتها الدفاعية والفضائية إلى 25 مليارا في السنة بحلول عام 2023.

أردوغان قال إن بلاده تقترب من دخول نادي الاقتصادات العشرة الكبرى بالعالم (وكالة الأناضول)

نادي الكبار

قبل هذا الحدث الصناعي بأيام، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده أصبحت قريبة جدا من دخول مصاف أكبر عشرة اقتصادات في العالم.

وللتدليل على ذلك أشار أردوغان إلى أن المؤشرات على انتعاش اقتصاد تركيا قوية للغاية، ومن ذلك تحقيق معدل نمو اقتصادي بـ 4.5% في الربع الأول من العام الجاري رغم ظروف أزمة كورونا.

الرئيس التركي قال أيضا إن بلاده نجحت في رفع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ليتجاوز 93 مليار دولار.

يأتي هذا في وقت تشهد فيه اقتصادات معظم الدول الكبرى تراجعا كبيرا، بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا. ويتوقع صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره أن ينكمش الاقتصاد العالمي يواقع 4.9%.

وتلقت الاقتصادات المتقدمة ضربات عنيفة على نحو خاص، حيث بات من المتوقع أن ينكمش الناتج الأميركي 8% وناتج منطقة اليورو 10.2% في عام 2021، مقابل نمو جد متواضع للصين بواقع 1%.

وفي أحدث البيانات ارتفعت صادرات تركيا بنسبة 15.8% خلال يونيو/حزيران الماضي مقارنة مع الفترة نفسها من 2019، وبلغت نحو 13.5 مليار دولار.

وتسابق تركيا في الوقت ذاته لتحقيق هدف الوصول إلى ثالث قوة اقتصادية في أوروبا، والمرتبة العاشرة على مستوى العالم قبل 2023.

وعبر الدكتور العزعزي عن قناعته بأن تركيا ستبدأ في الازدهار -رغم استمرار آثار الأزمة الاقتصادية العالمية حتى عام 2021- مستفيدة من الموارد والفرص الاستثمارية وعلاقاتها الدولية خاصة مع روسيا والصين، هذه الأخيرة التي قال إنها ستقود المرحلة المقبلة من انتعاش الاقتصاد العالمي.

وبدا العزعزي مقتنعا بأن تركيا باستطاعتها اللحاق بالاقتصادات العشرة الكبرى بالعالم، وتحدث عن التأثيرات الإيجابية لخفض سعر الفائدة على انتعاش الاقتصاد التركي وتحسن واستقرار سعر صرف العملة المحلية.

وأشار إلى تراجع معدلات التضخم إلى أدنى المستويات ونمو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة وزيادة الصادرات.

كما أشار إلى جهود تشجيع المشاريع التنموية باعتبارها الركيزة الأساسية التي استندت عليها حكومات العدالة والتنمية طوال 15 عاما من الحكم، بالإضافة إلى توجه البلاد لكي تتحول إلى مركز دولي للاقتصاد الإسلامي (اقتصاد بسعر فائدة صفر).

من جانبه، اعتبر حرب أن تركيا لديها الإمكانيات والموارد للحاق بالاقتصادات الكبرى -وإن كان حجم ناتجها المحلي أقل من العشرة الكبار في الوقت الحالي- لكنه لا يمكن الجزم بحدوث ذلك وفقا لمدى زمني محدد.

وقال إن هذا الرهان يتوقف من جهة على قدرة القطاع الصناعي التركي على الاستمرار في تحقيق أرقام نمو جيدة، ومن جهة أخرى يتوقف على حركة المشهد الاقتصادي العالمي ككل، في إشارة إلى الاقتصادات المنافِسة.

ولا تبدو الصورة وردية تماما، فالاقتصاد التركي يواجه عددا من المشاكل، من أبرزها ارتفاع حجم الدَّين، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار.

وفي مايو/أيار الماضي، قال تقرير لرويترز إن صافي احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي هبط هذا العام إلى 26 مليار دولار من 40 مليارا سابقا، ويرجع ذلك لتدخل البنك لدعم استقرار الليرة. كما تبلغ التزامات الدَّين الأجنبي لتركيا 168 مليار دولار في 12 شهرا، حسب رويترز أيضا.

 

المصدر : الجزيرة + وكالات

المادة السابقة6 أسئلة وأجوبتها لفهم الأزمة الاقتصادية اللبنانية
المقالة القادمةإطلاق مؤتمر عن نهضة الشركات الناشئة ومذكرة بين وزارة الصناعة والمجلس الوطني لريادة الأعمال