“الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في خطر». هذه هي الخلاصة التي يقدّمها المدير العام للصندوق محمد كركي تعليقاً على البنود الواردة في مشروع موازنة 2019 عن الضمان. يعتقد كركي أن هذه البنود تمسّ المفاهيم التي أنشئ الصندوق عليها بهدف تحقيق الأمن الاجتماعي، لذا «من الضروري شطبها»
تضمن مشروع موازنة 2019 ستة بنود تطاول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بعضها يشطب أموالاً للضمان على الدولة، وبينها ما يكرّس موضوع الإعفاء من الغرامات وزيادات التأخير وتساوي المتخلفين عن السداد بالمنتظمين فيه. كذلك هناك بنود تخلق تعقيدات إدارية صعبة التحقيق، وتضرب رواتب مستخدمي الصندوق ولا سيما الفئات المغبونة منهم.
هذه ليست المرّة الأولى التي يصاب فيها الضمان ببنود مطروحة في مشروع الموازنة. إلا أن غالبية هذه البنود كانت تلغى بعد تحرّكات واحتجاجات، ما يثير التساؤل عن الهدف من الإصرار على ”إصابة“ الضمان بمواد قانونية تفيد أصحاب العمل مثل وقف العمل بموجب براءة الذمة الذي كان مطروحاً في موازنة 2018، أو مثل تحفيز المؤسسات على حساب الضمان من دون آلية واضحة لتطبيقه، أو مثل الالتزام بتسديد ديون الدولة بلا فوائد… ثمة الكثير من الطروحات التي كانت السلطة تتراجع عنها، تماماً كما حصل أمس بعد الاجتماع الذي عقد في وزارة المال بين الوزير علي حسن خليل ووزير العمل كميل أبو سليمان ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر. يقول هذا الأخير إن وزير المال لم يتمسّك بأي مادة مقترحة في مشروع الموازنة «واتفقنا على شطب المادة التي تخصّ إلغاء الفوائد المترتبة للضمان عن ديون الدولة، وأن تدفع الدولة ديونها للضمان وفق آلية خاصة (يرجح أن يكون الأمر عبر سندات خزينة)، واتفقنا أيضاً على أن تسدّد الدولة حصّتها من الاشتراكات العائدة للضمان عن أجرائها… وهناك إعادة نظر بكل المواد الأخرى».
في الواقع، هناك أكثر من مشكلة في البنود المطروحة، منها ما له أثر سيئ، ومنها ما يحتاج إلى توضيح وتحديد الآليات. ومن أبرز البنود التي أثارت المخاوف على أوضاع الصندوق المالية، هي المادة 43 التي تعفي الدولة من سداد الفوائد على ديونها العائدة للصندوق والتي التزمت بتقسيطها بقوانين صدرت عن المجلس النيابي في عام 2006 وفي عام 2014، وفي موازنة 2017 حين جرت جدولة هذه الديون على عشرة أقساط سنوية. قانوناً، تصنّف ديون الضمان ممتازة، أي أن لها الأولوية المطلقة في حالات الإفلاس، لذا كيف يمكن الدولة أن تتهرّب منها؟ يقدّر المدير العام للضمان محمد كركي قيمة هذه الديون وفوائدها بنحو 2800 مليار ليرة (هذا الرقم لا يشمل كل الديون، إذ هناك مصادر تشير إلى أن الديون وفوائدها تصل إلى 3200 مليار ليرة)، مشيراً إلى أن الدولة لم تسدّد أكثر من 70 مليار ليرة خلال خمس سنوات لا عن مساهمتها بنسبة 25% من نفقات المرض والأمومة ولا عن ديونها المتوجبة للضمان. ويقول إن «من غير المعقول أن يتكبّد الضمان فوائد لتسديد التقديمات، فيما تتنصّل الدولة من المتوجبات عليها. فقد بلغت قيمة الفوائد المترتبة على المسحوبات من فرع تعويض نهاية الخدمة لمصلحة ضمان المرض والأمومة ما قيمته 700 مليار ليرة!».
ومن البنود التي يعترض عليها الصندوق، المادة 36 المتعلقة بالإعفاء من الغرامات وزيادات التأخير. هذا النوع من الإعفاء تكرّر كثيراً في السنوات الماضية «ما يكرّس التهرّب من تسديد الاشتراكات ويساوي بين المتخلفين عن الدفع والمنتظمين فيه»، وفق كركي. وفي ظل وجود 2400 طلب تقسيط للمتأخرات لدى الصندوق وعدم إمكان معالجة أكثر من 600 طلب منها حتى الآن بعد مرور بضعة أشهر على بدء الإعفاء الأخير، فإنه يفترض بالدولة أن تعالج مشكلة الديون القديمة التي تعود إلى ما قبل عام 2000 وإعفاء المكلفين منها نهائياً حتى لا يبقى الضمان أسيراً لهذه الديون التي تكبّد الصندوق أكلافاً كبيرة رغم قيمها البسيطة، لا أن تذهب في اتجاه تشجيع التهرّب من التسديد وتكريس مبدأ الإعفاء.
أما بالنسبة إلى المادة 40 التي تعطي المؤسسات حوافز لاستخدام أجراء لبنانيين تتحمل الدولة كلفة اشتراكاتهم، فإن هذه المادة أقرّت في موازنة 2018 من دون أن تصدر مراسيم تطبيقية لها، أي أنها لم تطبق. برأي كركي، يتطلب تطبيق هذه المادة آلية معقدة، فضلاً عن أنه لا ضمانات بأن تسدد الدولة المتوجبات عليها «وهي التي لم تسدّد أي متوجبات للضمان منذ فترة طويلة. كان يجب أن يذكر في المادة المطروحة في موازنة 2019 شرط لتحصيل أموال الصندوق، أو أن تنص هذه المادة على وجوب تسديد رب العمل المتوجبات عن الأجير وأن يستردّ هذه المبالغ من الدولة مثل ضريبة القيمة المضافة» يقول كركي.
وكان وزير المال قد ذكر في تقريره المرفوع إلى مجلس الوزراء عن الموازنة، أنه جرى لحظ مساهمة للصندوق بقيمة 292.6 مليار ليرة، أي أقل مما لحظ في موازنة 2018 بقيمة 50 مليار ليرة، وقد جرت إضافة عبارة ملتبسة جداً هي: «دون الاشتراكات»، ما فسّره كركي بأنه تنصّل من الدولة تجاه تسديد الاشتراكات عن أجرائها وتنصّل تجاه تسديد الـ 1% المتوجبة على الدولة لتمويل فرع ضمان المتقاعدين. لذا، يشير كركي إلى أن الدولة تضرب الضمان الصحي للمتقاعدين، وتتهرّب من تسديد مبلغ 109 مليارات ليرة عن اشتراكاتهم. يستفيد من هذا النظام حالياً أكثر من 8000 أسرة ويتوقع أن يرتفع العدد تدريجياً إلى 150 ألف أسرة… هذه المادة تطيح الأمن الاجتماعي. باختصار يعتقد كركي أن المواد الواردة في الموازنة والتي تتعلق بالصندوق «تشكّل خطراً على استمرارية الضمان وتدفقاته المالية وعلى التقديمات للمضمونين».
نصّت المادة 61 من قانون الموازنة على وقف العمل بتوزيع الأرباح والرواتب الإضافية. استهل وزير المال هذه المادة بعبارة «خلافاً لأي نصّ عام أو خاص»، وذكر في الأمثلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على أنه من بين المؤسسات التي تخضع لنص هذه المادة «ما يعدّ تعدياً على رواتب مستخدمي الضمان» بحسب رئيس نقابة مستخدمي الضمان حسن حوماني. وخلافاً للدراسة التي أعدّها المدير المالي في الضمان بالإنابة شوقي بونصيف عن الأثر السلبي لكل هذه البنود والتي لا تتطرّق إلى مسألة الاقتطاع من رواتب المستخدمين، يؤكد حوماني أن «موازنة الضمان مستقلّة عن الموازنة العامة، أي أن الخزينة لن تحصل على أي وفر من الاقتطاع من مستخدمي الضمان الذين لم يحصلوا على تعديل على سلاسل رواتبهم، وليس لديهم معاش تقاعدي. لن نسمح بأن يقتطعوا من رواتبنا ومستعدون للذهاب إلى إضراب مفتوح إذا لم يستجيبوا لمطالبنا والتظاهر أمام القصر الحكومي». وبحسب المدير العام للضمان محمد كركي، فإنه في حال إلغاء الرواتب الإضافية «تصبح المعاشات متدنية، ويخسر المستخدمون ربع رواتبهم، فضلاً عن الغبن اللاحق برواتب الفئات العليا في الضمان (فئة ثالثة، فئة ثانية، فئة أولى)».