دشنت مصر أول شركة لضمان مخاطر الصادرات للسوق الأفريقية، من أجل تعزيز تواجدها، وفتح آفاق تصديرية لمنتجاتها في أسواق بكر بحاجة ماسة لمزيد من البضائع الحاضرة.
ومن المتوقع انطلاق التشغيل الرسمي للشركة خلال الربع الأول من العام المقبل وتستهدف دول جنوب الصحراء في أفريقيا.
ويبلغ رأس مال الشركة 600 مليون دولار، وتعد استكمالا لما بدأه البنك المركزي عام 2017 من المشاركة في نظام “ريبس”، وهو اتفاق بين المركزية لتأمين مدفوعات قيمة صفقات الصادرات، ووقعت مصر هذا الاتفاق مع كل من أوغندا وسوازيلاند وكينيا والكونغو الديمقراطية وموريشيوس وجيبوتي.
وتتمكن الشركات من خلال “ريبس” تسوية قيمة الصفقات من خلال البنوك المركزية، ما يقلل مخاطر التعامل في السوق الأفريقية، ويستهدف النظام تسوية المدفوعات بين الدول الأعضاء على أساس يومي.
بينما المتبع حاليا أن البنوك المحلية في الدول الأعضاء تحتاج إلى أكثر من يوم لتسوية مدفوعاتها وخفض الرسوم المصرفية، بما يعزز خفض تكلفة التجارة البينية.
وبموجب الاتفاق الجديد تم تدشين غرفة المقاصة المركزية في موريشيوس، ومن خلالها يمكن تسوية المعاملات التجارية بين الدول الموقعة على الاتفاق بعملتي الدولار واليورو، وتتم حاليا دراسة زيادة عدد عملات التسوية لـ7 عملات، بينها اليوان الصيني والروبية الهندية.
وتتسق جهود “ريبس” مع تدشين القاهرة أول خط ملاحي حكومي منتظم مع أفريقيا مؤخرا، ينطلق من ميناء العين السخنة في مدينة السويس على البحر الأحمر، قاصدا ميناء مومباسا في كينيا عبر رحلة أسبوعية.
ويعد الخط ضمن مشروع أطلقت القاهرة عليه اسم “جسور” وتشرف علية وزارة قطاع الأعمال العام عبر الشركة القابضة للنقل البحري والبري والشركة القابضة للتأمين التابعتين لها.
ويستهدف الخط الجديد توفير سلسلة متكاملة من خدمات النقل واللوجستيات لفتح أسواق جديدة للتجارة الخارجية، عبر نافذة واحدة للتعامل مع المصدرين والمستوردين.
وقالت نجلاء النزهي مستشار محافظ البنك المركزي للشؤون الأفريقية، إن دراسات البنك المركزي كشفت أن صادرات مصر لدول جنوب الصحراء لا تتجاوز حاجز 2.1 في المئة من إجمالي صادراتها لدول العالم، وهو رقم متواضع للغاية مقارنة بالإمكانيات والفرص المتاحة للتعاون التجاري والاقتصادي بين مصر ودول القارة.
وأضافت لـ”العرب” أن الشركة الجديدة مملوكة للبنك المركزي، ويعد هذا ضمانة رسمية للمتعاملين مع السوق الأفريقية، ما يمنحها قدرة على التصدير، إلى جانب انخفاض معدل الفائدة على التمويل الذي يستهدف تعزيز حركة الصادرات والاستثمارات طويلة الأجل.
وأطلق البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد منصة إلكترونية تتيح حزم تمويل للشركات والمشروعات الصغيرة في جميع دول القارة، فضلا عن كونها بنكا للمعلومات يتيح فرص الاستثمار الممكنة بجميع دول القارة وحزم التمويل المساندة لهذه الاستثمارات.
وتوازى مع ذلك إطلاق المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، العضو بمجموعة البنك الإسلامي للتنمية مبادرة مدتها ثلاث سنوات لتمويل التجارة وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
وتستهدف المؤسسة من خلال المبادرة تطوير قطاع الأعمال بين الدول العربية وقارة أفريقيا، وتهيئة المناخ لمشاركات استثمارية جديدة.
وقال محمود برعي عضو لجنة أفريقيا بالاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، إن إطلاق شركة ضمان مخاطر الصادرات إلى القارة، خطوة ينتظرها المستثمرون، بسبب مخاطر تحصيل الأموال التي يواجهونها في السوق الأفريقية.
وأوضح لـ”العرب”، أن تلك الخطوة تعزز من حركة التجارة البينية بين مصر والدول الأفريقية الأعضاء في نظام “ريبس”، وتقضي على تصاعد مخاطر عدم السداد التي كانت تواجه المتعاملين.
وتعد السوق الأفريقية ملاذا استثماريا لمصر خاصة في قطاع الزراعة لمواجهة الفقر المائي بالبلاد، الأمر الذي دفع مجلس الوزراء لتأسيس “الشركة الوطنية المصرية للاستثمار الأفريقي” كأول شركة تمتلكها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بهدف القيام بأنشطة الزراعة خارج حدود البلاد.
وتستهدف الشركة زراعة عدد من المحاصيل تستوردها مصر في تنزانيا، لسد فجوة الغذاء التي تتصاعد كل عام بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان.
ويطلق على تلك الخطوة “الماء الافتراضي”، فاستيراد القمح والسكر وجميع السلع الأساسية الأخرى كالفول وزيوت الطعام والعدس، سببه نقص الموارد المائية.
وتعد مصر أكبر مستورد عالميا للقمح بنحو 12 مليون طن قمح سنويا، ثم الذرة الصفراء بنحو 8.6 مليون طن، وزيوت الطعام والعدس الأصفر بنسبة مئة في المئة.
وتستورد القاهرة حاصلات زراعية سنوياً بنحو 5.4 مليار دولار، فضلا عن واردات من الصناعات الغذائية بنحو 2.6 مليار دولار، نتيجة ارتفاع الاستهلاك.
وتوقعت دراسات أعدتها كلية الزراعة بجامعة القاهرة، أن تفقد مصر نحو 17 في المئة من أراضيها الزراعية حال اتجاه إثيوبيا لملء سد النهضة بالمياه خلال ست سنوات، ونحو 51 في المئة إذا تم تقليل فترة الملء لنحو ثلاث سنوات.
وأكد طارق درويش رئيس جمعية المصدرين المصريين، لـ”العرب” أن وجود شركة لضمان مخاطر الصادرات يفتح أفقا استثماريا لمصر. وتحفز الاستثمارات العالمية دخول السوق المصرية للتصنيع وإعادة التصدير للعمق الأفريقي.
ووقعت مصر على اتفاقية تأسيس منطقة التجارة الحرة الثلاثية بين السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا، ومجموعة شرق أفريقيا، والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي.
وتهدف الاتفاقية إلى تحرير تجارة السلع والخدمات وانتقال الاستثمارات بين الدول الأعضاء، وتعميق التكامل الاقتصادي وفتح الأسواق وتطوير الصناعة والبنى الأساسية بينها.
ويعد هذا الاتفاق بابا ملكيا أمام الاستثمارات الأجنبية للسوق المصرية، لأنه يجعل المنتجات المصنعة بها تدخل جميع أسواق القارة الأفريقية بإعفاء جمركي تام.
ويتوقع اقتصاديون، زيادة حجم الصادرات المصرية لأسواق الدول الأعضاء في “ريبس”، خاصة أن تداعيات وباء كورونا الاقتصادية أثرت على تدفق الصادرات المصرية لأسواقها التقليدية في أوروبا، ما جعل بعض المصدرين في مصر يبحثون عن أسواق بديلة في العمق الأفريقي.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وأفريقيا إلى 6.9 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل 5.6 مليار دولار في العام السابق بارتفاع نسبته 23 في المئة.
ورغم تأمين “ريبس” لتسوية المعاملات، إلا أن تفعيله بات مرهونا بإجراءات تسهيل فتح الاعتمادات التصديرية وضمان الأموال، لإزالة عقبات التصدير أمام المستثمرين.