مصر تفتح الصحراء أمام المستثمرين لاستكشاف الثروات المعدنية المنسية

وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام بصياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير قطاع التعدين، بهدف تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية واستكشاف الثروات المعدنية

ووضعت التوجيهات الرئاسية قطاع الثروة المعدنية على خارطة الاستثمارات التعدينية بعد غيابه عن الساحة على مدى عقود، لأن سرعة تحركات السيسي تفوق بكثير سرعة الوزراء والمسؤولين المصريين.

وظهرت هذه التحركات في المشروعات القومية العملاقة منها حفر قناة السويس الجديدة، والتي كان مقررا لها ثلاث سنوات، إلا أنه جعل المشروع ينتهي في عام.

وقال جمال القليوبي أستاذ الطاقة والتعدين بالجامعة الأميركية في القاهرة لـ”العرب” إن قانون الثروة المعدنية الجديد “أتاح للدولة التعامل مع ثرواتها المعدنية بنوع من القيمة المضافة”.

وأوضح أن هذه الطريقة تعني استراتيجية تحديد كل المناطق الموجودة في مصر ضمن عمليات البحث والتنقيب عن الثروة المعدنية.

وأشار إلى أن عمليات البحث عن الثروات المعدنية بمصر لا تتعدى اليوم حاجز 11 في المئة من مساحة البلاد، فيما أن 89 في المئة تعتبر أرضا بكرا لم تستغل في التنقيب ولم يتم مسحها.

وتسهل خطوة السيسي الأخيرة عمليات تأمين المناطق وترفع الجاهزية الأمنية أيضا، ما يزيد عدد البعثات الجيولوجية للبحث والتنقيب عن المعادن.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن مساهمة قطاع المناجم والمحاجر في تمويل الموازنة العامة للبلاد تعد زهيدة جدا حتى اليوم، وهي أقل من واحد في المئة.

ونتيجة لعدة ظروف مرتبطة بسياسات الحكومات المتعاقبة، تعتبر مصر من أقل دول العالم في عوائد هذا القطاع، ما دفع رئيس البلاد للتدخل مباشرة ومنح الثروات المعدنية قبلة الحياة مجددا.

وتستهدف الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي، الذي بدأ في يوليو الماضي، جني عوائد من القطاع بنحو 66 مليون دولار، أي ما عادل 0.015 في المئة من الناتج المحلي للبلاد، البالغ حوالي 427.7 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية.

وتحاول القاهرة تنشيط هذا القطاع، وأعدت قانونا جديدا للثروة المعدنية العام الماضي، وصدرت لائحته التنفيذية في يناير الماضي، للتغلب على معوقات الاستثمار، وترتب عليه طرح أول مزايدة للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة في 15 مارس الماضي.

وتضم المزايدة نحو 320 قطاعا للاستكشاف على مساحة حوالي 56 ألف كيلومتر مربع في الصحراء الشرقية القريبة من البحر الأحمر.

وطُرحت هذه المزايدة بنظام الإتاوة والضرائب وفقا لأحكام قانون الثروة المعدنية الجديد، وهذا النظام الاستثماري معمول به دوليا، وتفضله معظم الشركات العالمية لأنه يساعدها على تحقيق أرباح أكبر ويحفزها على الاستمرار في عمليات الإنتاج.

وأعلنت مجموعة فوربس مانهاتن الكندية مشاركتها في المزايدة الدولية للبحث والاستكشاف عن الذهب والمعادن المصاحبة في مصر.

وتمتلك هذه المجموعة 14 شركة متخصصة في الذهب والنحاس والحديد ومعادن الطاقة والفوسفات والبوتاسيوم، تنتشر في رقعة جغرافية كبيرة حول العالم.

وقد وفرت مانهاتن ما يقرب من عشرة مليارات دولار للاستثمار في الاستكشاف عن الذهب ومعادن الأساس في ثلاثين دولة مختلفة خلال آخر 12 عاما، ولديها فروع في كل من نيويورك ولندن وموسكو.

وكان من المخطط الإعلان عن الشركات الفائزة بالمزايدات في منتصف يوليو الماضي، إلا أن تداعيات مرض فايروس كورونا (كوفيد – 19) دفعت القاهرة لمد أجل المزايدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي في 15 سبتمبر المقبل.

وفتحت السلطات المصرية أيضا الثروة المعدنية الباب أمام تدفق الاستثمارات الصينية، وتم توقيع عقد إنشاء مشروع مجمع تصنيع حامض الفوسفوريك في هضبة أبوطرطور بمحافظة الوادي الجديد في الصحراء الغربية.

وتبلغ حجم الاستثمارات الصينية في تلك المنطقة حوالي 842 مليون دولار مع شركة فوسفات مصر وتحالف شركة هندسة البناء الصينية.

وقامت وزارة البترول والثروة المعدنية بإعداد دراسة مفصلة لتطوير قطاع التعدين وفق نهج علمي وذلك بالتعاون مع مؤسسة وود ماكنزي البريطانية المتخصصة في مجال الطاقة، كاستشاري عالمي لتحليل الوضع بالكامل ومعالجة معوقات الاستثمار في قطاع التعدين.

ومن أهم نتائج تلك الدراسة، هو أن ربط عمليات البحث والاستكشاف بأعمال الإنتاج والاستغلال تعد إجراءات طويلة تستغرق وقتا ليتسنى للمستثمر الحصول على ترخيص العمل.

واستنادا على ذلك قررت الحكومة المصرية الفصل بين النشاطين في إصدار التراخيص وفق النظم السائدة عالميا، ما أدى إلى تبسيط الإجراءات الاستثمارية وسرعة إصدار التراخيص.

وتستهدف وزارة البترول في ضوء الإصلاحات التي نفذتها في قطاع التعدين جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 375 مليون دولار خلال عامين، ومن ثم العمل على زيادتها بحلول عام 2030 من 700 مليون دولار إلى مليار دولار.

وتستحوذ الاستثمارات الأسترالية على النسبة الأكبر في قطاع التعدين المصري في الوقت الحاضر، إلى جانب بعض الاستثمارات الكندية والإنجليزية والصينية.

وتعمل في مصر حاليا شركتان في مجال الذهب وهما السكري لمناجم الذهب والتي بدأت باستثمارات أسترالية عبر الشركة الفرعونية لمناجم الذهب، وهي مشتركة بين وزارة البترول وهيئة الثروة المعدنية وشركة سنتامين التي يمتلكها رجل الأعمال المصري يوسف الراجحي.

أما الشركة الثانية، فهي حمش مصر لمناجم الذهب، وهي شركة مساهمة مصرية مناصفة بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة ماتز هولديغنز القبرصية، فضلا عن أتون ريسورسز الكندية، والتي تقدمت بطلب للحصول على أول رخصة للتنقيب عن الذهب في مصر.

ويؤكد عبدالعال حسن نائب رئيس الهيئة العامة للثروة المعدنية الأسبق، أن إعداد رؤية استراتيجية شاملة لإعادة استكشاف الثروة المعدنية في مصر، يتطلب تحديد الهدف الرئيسي من ورائها، سواء كان الحصول على الخام فقط أو تصنيعه وتصديره.

وقال لـ”العرب” إن “من الضروري زيادة أعداد وتدريب الجيولوجيين في مصر، وتعريفهم باستراتيجيات الاستشكافات الحديثة بالاعتماد على النموذج الكندي أو الأسترالي”.

وأضاف “مصر تعاني نقصا شديدا في الجيولوجيين المدربين والمتخصصين في الثروة المعدنية، بسبب عدم تطوير المناهج التعليمية في الجامعات”.

وتكافح القاهرة منذ فترة من أجل زيادة مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي ليصل إلى نحو اثنين في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة، رغم ما تواجهه من تحديات، حيث تمتلك إمكانيات وثروات تعدينية كبيرة إلا أنها لم تحظ بالاستغلال الأمثل.

وأوضح محمد زاهر رئيس لجنة التعدين بمجلس الأعمال المصري الكندي أن توجيهات السيسي سوف تعزز تدفق الاستثمارات لقطاع التعدين.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن التعديلات التشريعية الأخيرة مشجعة، إلا أن تنشيط هذا القطاع يحتاج إلى دفعة من أعلى سلطة في البلاد.

وقال إن “المستثمرين الأجانب باتوا على ثقة تامة بأن القطاعات التي تحظى باهتمامات رئاسية تتسم بسرعة النمو، بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية”.

ويعد نموذج حقل ظُهر في البحر المتوسط ومشروعات شركات البحث في الغاز في المياه العميقة نموذجا فريدا أمام جميع المستثمرين.

 

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقة“هاما” تطلق لوحة مفاتيح قابلة للغسل
المقالة القادمةالرئيس عون يتسلم من وزني النسخة النهائية لاتفاقية التحقيق المالي الجنائي