معركة أوروبية لتنظيم المحاصيل المعدلة وراثيا

تعد المفوضية الأوروبية مقترحات ستعرضها مطلع يوليو المقبل تتضمن تشريعات بشأن التكنولوجيا الحيوية الجينية، وهي تقنيات ناشئة تسعى لتطوير بذور أكثر مقاومة يسميها منتقدوها “كائنات جديدة معدلة جينيا”.

ويقول محللون إن هذه الخطوة المثيرة للجدل تنذر بحدوث خلافات حادة بين الدول وأعضاء البرلمان الأوروبي قبل التوصل إلى صيغة قد تتيح موافقة الأعضاء السبعة والعشرين عليها.

وهذه المحاصيل التي يفترض أن تكون أقل عرضة للجفاف والأمراض وأقل استهلاكا للمياه، تعد وفق تقنية تُسمى “جينومية جديدة” (أن.جي.تي).

وهذه التقنية هي مجموعة لا حصر لها من أدوات التحرير الجيني ظهرت في السنوات الأخيرة لتعديل المادة الجينية للنباتات من دون إضافات، على عكس الكائنات المعدلة جينيا (جي.أم.أو) التي تقوم على إضافة جين خارجي للكائن أو النبات.

وفي حين تعتبر طريقة بسيطة لتسريع التطور الذي كان يمكن أن يحدث بشكل طبيعي وفق مؤيديها، إلا أن المنظمات البيئية المعارضة لرفع القيود عن استخدامها تصفها بأنها “كائنات مخفية معدلة جينيا”.

واعتبارا من عام 2021، اعتبرت المفوضية اللوائح المنظمة للكائنات المعدلة جينيا مثل الترخيص وإمكانية التتبع ووضع الملصقات والمراقبة وغيرها، “غير مناسبة” لهذه التقنيات الحيوية الجديدة.

وقالت مفوضة الصحة ستيلا كيرياكيدس لأعضاء البرلمان الأوروبي في نهاية أبريل الماضي إن “النباتات المنتجة بالتقنية الجينومية الجديدة يمكن أن تدعم استدامة” الزراعة الأوروبية وتقوي “قدرتها التنافسية”.

وأوضحت أن الإطار التنظيمي المقترح “سيرسل إشارة واضحة للمزارعين والباحثين والصناعيين بأن هذا هو الطريق الصحيح” الذي ينبغي أن تسلكه أوروبا.

وتلقت بروكسل 90 طلب ترخيص لمحاصيل منتجة بتقنية أن.جي.تي ثلثها في مرحلة بحث متقدمة، مع عدد قليل يجري اختباره في الحقول مثل الذرة في بلجيكا والبطاطس في السويد.

وفي وثيقة مؤرخة في فبراير الماضي درست المفوضية على وجه الخصوص إمكانية “أن تعالج بالطريقة نفسها” البذور التقليدية، وتلك المنتجة بتقنية أن.جي.تي.

وتنطوي على ذلك تعديلات يمكن أن تحدث بشكل طبيعي أو عبر عمليات التهجين التقليدية مع خيارات مختلفة لوضع الملصقات على المنتج.

وقال وزير الزراعة الفرنسي مارك فيسنو الشهر الماضي “عندما تسهم هذه التقنيات في الحد من استخدام منتجات حماية النباتات وتتيح التصدي لتغير المناخ مع أصناف أكثر مقاومة لموجات الحر، علينا أن نسرع الخطى”، مع إبداء قلقه بشأن “التأخير” الأوروبي.

في نهاية عام 2022، تباهى نظيره الإسباني لويس بلاناس “بأداة رائعة لزراعة محاصيل تحتاج إلى كميات أقل من المياه والأسمدة”.

وهذه المواقف أيدتها منظمة كوبا – كوجيكا القوية للشركات الزراعية والمزارعين، التي قال أحد مدرائها غونار كوفود إن “المناخ يتغير والأمراض والفطريات تتطور”.

وأضاف “إذا أردنا إطعام أوروبا وتحقيق الاكتفاء الذاتي، علينا تكييف اللوائح المنظمة لنمنح أنفسنا الوسائل لتطوير أصناف أكثر مقاومة”.

وتؤيد أغلبية في البرلمان الأوروبي التخفيف من صرامة اللوائح المنظمة للتقنيات الجديدة.

ومع رغبة النواب المحافظين بتجميد التخفيض الملزم لمبيدات الآفات، فإنهم يدفعون من ناحية أخرى في اتجاه تبني إطار ملائم لتقنية أن.جي.تي قادر على “تحفيز البحث والاستثمار والتوظيف” وزيادة الإنتاجية.

ويقول باسكال كانفين، رئيس كتلة التجديد رينيو الوسطية في البرلمان في مفوضية البيئة، إن التقنيات الجديدة يمكن أن تكون “جزءا من الحلول المفيدة للانتقال الزراعي” إذا ساهمت في حلول بديلة لمبيدات الآفات الكيميائية.

ولكنه بخلاف المحافظين يريد كانفين الاستمرار في تنفيذ الميثاق الأخضر، مما يجعل التوصل إلى مفاهمة واضحة يبدو أمرا معقدا.

ومن ناحية أخرى، ما زالت بعض الدول حذرة في موقفها. ففي منتصف مارس الماضي، انتقدت النمسا دراسة للمفوضية “قائمة على الافتراضات والتخمينات” أكثر منها على البيانات العلمية.

ودعت الحكومة النمساوية إلى “دراسة شاملة للمخاطر البيئية والصحية” والاستثمار في الأمن البيولوجي.

وهذا الموقف أيدته المجر وقبرص وألمانيا ولوكسمبورغ. فقد طالبت برلين “بنهج اجتماعي مقبول اجتماعيا للحفاظ على المبدأ الوقائي وحرية الاختيار والتعايش بين النظم الزراعية المختلفة”.

وفي البرلمان، يعارض اليسار أي تشريع خاص، مشيرا إلى أن محكمة العدل الأوروبية قدرت في منتصف عام 2018 أن الكائنات الحية الناتجة عن تقنيات الاصطفاء الجديدة تقع “من حيث المبدأ في نطاق ما ينطبق على الكائنات المعدلة جينيا”.

كما يُتوقع أن تركز المعركة التشريعية على الضمانات الواجب توفيرها. وقال النائب الأوروبي الاشتراكي إريك أندريو إن “المفوضية تتصرف مثل متدرب مبتدئ”، داعيا إلى الحفاظ على “المبدأ الوقائي والشفافية وتوفير معلومات كاملة للمستهلك”.

أما كتلة الخضر فتريد “تقييما كاملا للمخاطر” لتجنب التأثيرات غير المتوقعة (سموم جديدة أو مواد مسببة للحساسية، وما إلى ذلك)، وإلزام المطورين بتوفير طرق الكشف والتتبع، وجعل وضع الملصقات المميزة أمرا إلزاميا.

وهذا الإجراء الأخير من شأنه أن يردع المستهلكين، كما تقول ميوت شيمف من منظمة أصدقاء الأرض.

وترى شيمف أن هذا التشريع يجب تجنبه “لأنه ستار يخفي الحقيقة لتجنب خوض النقاش حول انتقال” النماذج الزراعية، في حين أن “هذه الكائنات الجديدة المعدلة جينيا ليست سوى مجرد وعد نتيجته غير مؤكدة”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةوزير النفط السوري يعلن اكتشاف ثروات معدنية جديدة في سوريا
المقالة القادمةقيادة سيارة “مرتّبة” بلبنان حكراً على فئة نادرة من السكان!