معركة استقلال القضاء تتواصل: ما مصير الإقتراح؟

بكل معطياته، يبدو ممكناً تماماً القول أنه لم يكن مجرد “اقتراح قانون” ذلك الذي جمع، يوم الأربعاء، “ائتلاف استقلال القضاء” و”المفكرة القانونية” بالنائب أسامة سعد تحت عنوان “استقلال القضاء الإداري وشفافيته وأصول المحاكمات الإدارية” ليقدمه إلى مجلس النواب. بل هو “رؤية متكاملة”، لقضاء إداري مستقل ومحايد، يؤدي دوره كحام للصالح العام في تقييد كل مسؤول أو إدارة تنتهك القوانين أو تتعدى على حقوق وحريات المواطنين أو أموال الدولة وممتلكاتها على نحو يُبطل أي قرار مُخالف يُتخذ.

لا مبالغة في القول إن آلاف المنتفضين من القوى التغييرية لـ17 تشرين على الأقل، إن لم يكن جميعهم، أجمعوا على أن هناك غياباً للمساءلة والمحاسبة، واشتكوا من عدم فعالية الأجهزة الرقابية ومن العلاقة اللصيقة بين الساسة ومن يفترض محاسبة المخلّين منهم بالقانون، وطالبوا باستقلالية القضاء والإصلاح في الشق الإداري منه “مفتاحاً” لتحقيق مطالبهم بالمحاسبة واستعادة الثقة بالمؤسسات واسترجاع الأموال المنهوبة ومعرفة الحقيقة والفصل في قضايا الشعب.

“مؤسفة حقاً حقيقة أنه “يا في قضاء يا ما في” إذ أن لا قضاء إن لم يكن مستقلاً” بهذه الكلمات بدأ د. بيار عيسى، ممثل إئتلاف استقلالية القضاء، حديثه لـ”نداء الوطن” إذ أن برأيه هذا القانون المؤلف من 114 صفحة يتناول إصلاحات مقترحة للقضاء الإداري الذي يُختزل حالياً بمجلس شورى الدولة وهو ما يُفترض به ان يتولّى بشكل أساسي النظر في شرعية القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية والإدارات العامة والبلديات، فضلاً عن تحديد مسؤولية الدولة عن الأضرار التي قد تتسبّب بها للمواطنين وكل ما هو أساسي في المعركة السياسية ضد منظومة السلطة.

يكاد يختصر اقتراح القانون في طياته مجمل ما طالب به الشعب عندما انتفض لاستعادة ما لا ينعم به حالياً من حقوق. هذا ما قاله النائب أسامة سعد الذي تبنّى القانون بترحيب كبير واقتناع كامل بمضمونه لـ”نداء الوطن”. فالأكيد برأيه أنّ مسيرة إصلاح السلطة القضائية لم تكتمل، وأنّ المراجعات العميقة التي تمت المطالبة بها منذ فترة طويلة بقي جزء هام منها معلّقاً، ومنها اقتراح قانون استقلال القضاء “العدلي” المقدم سابقاً الذي وضع لفترة طويلة في أدراج مجلس النواب ومن ثم عند مناقشته بدأت تدخله “ثغرات” بما يتناسب مع مصلحة المُشرّعين.

اتفقت الطبقة السياسية الحالية على أنّ استقلال القضاء من “أولويات المرحلة الرّاهنة” إلاّ أنّ إجماعها على هذا المبدأ “كلاماً” لم يكن حائلاً دون وضع التعيينات القضائية في “الجارور” ولا أمام التدخلات اللامتناهية في الشق العدلي والإداري وغيره.

وبشكل لا يقبل الشك يخوض هذا القانون معركة طاحنة لإصلاح القضاء الإداري وتطوير القانون الحالي بما يتناسب مع ما يواجه المحامين والشعب والقضاة من مشاكل. فيتناول “التكليف المدفوع” من جهة ويضمن “الاستقلالية” عبر محاكاة مشكلة تكوين هيئة ناظمة للقضاء الإداري (المجلس الأعلى للقضاء الإداري)، إذ يطرح بحسب صاغية إقتراحاً إصلاحياً لها ضمن المعايير الدولية عبر انتخاب غالبية الأعضاء من القضاة أنفسهم وعلى أن يشارك في هذا الإنتخاب جميع القضاة ترشيحاً وانتخاباً، وأيضاً من إنتخاب أعضاء من غير القضاة من بين المحامين والأساتذة الجامعيين.

وبالنسبة لآليات تسمح بالتصدّي للقضايا المستعجلة بطبيعتها يشرح صاغية أنه حالياً “يُمنع المواطنون من الطعن في القرارات الإدارية على نحو مجدٍ وأن القانون قد تطرق لهذا الأمر كما عمل على توسيع مفهوم الصفة والمصلحة للمداعاة أمام مجلس شورى الدولة ضماناً للشرعية ويذهب الإقتراح تالياً إلى وضع نصوص قانونية من شأنها ضمان الشرعية وحماية المصلحة العامة عبر توسيع أبواب القضاء أمام المتقاضين في هذا المجال من دون تحويل المراجعة إلى دعوى شعبية وإدخال مبدأ القاضي الطبيعي، بحيث يتم تعيين قضاة الهيئة الحاكمة على أساس معايير محددة بالقانون والإعلان عن أسمائهم عند تقديم الدعوى لمنع تغيير هيئة الحكم وفق إرادة رئيس الغرفة أو تجهيل أعضاء هيئة الحكم كما هو الوضع حالياً”.

مصدرنداء الوطن - مريم مجدولين لحام
المادة السابقةالنظام الصحي يتداعى… والقطاعات الضامنة تلفظ أنفاسها
المقالة القادمةغريب يدعو إلى «تصعيد الانتفاضة»: لبناء نظام سياسي جديد