ملف النفايات إلى كارثة جديدة أم إلى فرصة؟

ضمن موجة الانهيارات التي طاولت كل شيء، سيكون لانهيار ملف إدارة النفايات في لبنان الرائحة الأكبر. الأسباب متعددة، في مقدمها تدهور الوضع الاقتصادي، والإرث الثقيل من سوء الإدارة… و«العقد المشتركة» بين الجماعات اللبنانية، ما يفسر أن غالبية نفاياتنا المنزلية هي عبارة عن أغلفة سلع، فيما يُفترض بـ«الإنسان السوي» أن يهتم بنفاياته كما يهتم بطعامه.

هذه المقاربة لمشكلة النفايات المنزلية، رسمياً وشعبياً، أنتجت، وفق إحصاء حديث سيعرضه وزير البيئة ناصر ياسين أمام لجنة البيئة النيابية الاثنين المقبل، 941 مكباً عشوائياً (مسح العام 2016) مع كلفة تقديرية أولية لإقفالها وتأهيلها تقدر بأكثر من 74 مليون دولار، وكلفة تشغيلية للعام 2022 تقدر بنحو 70 مليون دولار، من دون احتساب الديون المستحقة للمتعهدين وكلفة التدهور البيئي (112 مليون دولار) والآثار القريبة والبعيدة المدى على الصحة العامة وعلى سلامة الهواء والتربة والمياه والغذاء. فيما يوجد في لبنان 75 معملاً لمعالجة النفايات، العدد الأكبر منها متعثر، وبينها 20 معملاً (معظمها متعثّر أيضاً) ممولة من الاتحاد الأوروبي بإدارة مشروع إدارة النفايات الصلبة في مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، والذي يواجه مصيراً مجهولاً بعدما مُدّد له (قرار سابق لمجلس الوزراء العام 2019) حتى نهاية هذه السنة، فيما يجرى التداول بأربعة خيارات: إما أن ينتقل إلى وزارة البيئة، أو إلى وزارة الداخلية والبلديات، أو إلى اتحادات البلديات، أو إلى مجلس الإنماء والإعمار.

من الإشكاليات التي سيطرحها وزير البيئة في اجتماع لجنة البيئة النيابية موضوع اختيار مواقع للمطامر الذي تعثر أكثر من مرة، وفي أكثر من حكومة، بسبب غياب الطرح الشامل والمتكامل وغياب الأهداف الاستراتيجية التي تقلل من الحاجة إليها. والمشكلة الملحّة اليوم هي في اقتراب مطمر الجديدة على الشاطئ من انتهاء قدرته الاستيعابية في شباط المقبل (الكوستابرافا في شباط العام 2023)، من دون تأمين بديل سريع، سوى التوسع من جديد في المنطقة المردومة. ويجري البحث الآن، بين وزارة البيئة والجهات المعنية، في كيفية تأمين التمويل لمعالجة الأمر ضمن الأطر القانونية والمراسيم التنظيمية للقانون 80/2018، لا سيما المبادئ المتعلقة بالتخفيف والفرز والتدوير، مع تشجيع الفرز من المصدر لتوفير إنشاء مزيد من المعامل المتعثرة والمطامر، ناهيك عن العوائد المادية للفرز والتدوير مع ارتفاع أسعار المواد القابلة لإعادة التدوير بالدولار الأميركي، لا سيما الألومنيوم والحديد والمعادن… إضافة إلى المواد العضوية التي يمكن تحويلها إلى «كومبوست» مخصب للتربة.

إلى ذلك، تضغط مصادر بيئية لتعديل استراتيجية إدارة النفايات الصلبة والقانون 80/2018، لناحية استبدال تعابير مثل «استرداد الكلفة» التي وضعت بخلفية أن الشركات تعالج والمواطن يدفع الكلفة بشكل مباشر، وهو منطق لا تتبعه حتى الدول الغنية! على أن تصبح الضريبة العادلة على الوزن، وفق قاعدة «من ينتج أكثر يدفع أكثر»، بدل أن تكون على امساحة الأبنية كما هو مقترح في مشاريع المراسيم السابقة.

يرى البعض الآخر أن تهرّب الأفراد من دفع ضريبة رمزية على وزن لا يتجاوز نصف كيلوغرام من النفايات بعد أن يفرزها، لا يقاس بتلاعب الشركات في الأوزان على أطنان النفايات طوال الفترة السابقة، عندما كانت العقود تحاسب على الوزن والكيلومتر للنقل! كما أن من مسؤولية الدولة، التي تعتبر عقل المجتمع، أن تضع القوانين العادلة، مع الأطر التحفيزية والعقابية اللازمة، وبعدها تصبح المسؤولية على مواطن.

كما يتم التداول بضرورة إضافة مبدأ الاسترداد، لا سيما للنفايات الإلكترونية والأدوية الطبية التي تصنف خطرة، إلى المصنع في بلد المنشأ، ضمن آلية يتولاها الوكلاء، وضمن ضوابط محددة.
كما يفترض أن يطرح موضوع إدارة مطمر الناعمة الذي كان على وزارة الطاقة أن تضع يدها عليه للاستفادة من غاز الميتان المتولد منه لتوليد الطاقة الكهربائية، لا سيما للمناطق المجاورة. ودرس إمكانيات أخرى للاستفادة من الموقع نفسه للمعالجات «المكشوفة» للقضايا ذات الصلة.

مصدرجريدة الأخبار - حبيب معلوف
المادة السابقة«مقلع سبلين» يُهدّد مشروع جرّ مياه الأوّلي: من يجرؤ على الوقوف في وجـه «البيك»؟
المقالة القادمةهبة فرنسيّة للبنان: 500 ألف جرعة لقاح «فايزر»