تستعد أسواق منطقة الخليج لاستقبال عام جديد مليء بالآمال لنمو أكبر في الاكتتابات الأولية بعدما تألقت في 2023 رغم أنه كان عاما بائسا آخر بالنسبة لسوق الطروحات العامة الأولية حول العالم.
وعلى مدى العامين الماضيين، برزت المنطقة باعتبارها سوقا نشطة لطروح الأسهم الأولية للاكتتاب العام، إذ قامت الحكومات، التي تعتزم فطم اقتصاداتها عن الاعتماد على النفط، ببيع حصص من الشركات المملوكة للدولة بينما كانت أسعار الخام مرتفعة.
وعلاوة على ذلك، فإن استبعاد روسيا من مؤشر أم.أس.سي.آي للأسواق الناشئة في أعقاب الحرب على أوكرانيا العام الماضي، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، شجعا المستثمرين على التطلع إلى الشرق الأوسط بشكل أكبر.
وبينما جمعت الطروحات في المنطقة أقل من نصف المبلغ الذي حصدته السنة الماضية والبالغ 10.5 مليار دولار، تتجه إلى أن تحتل الترتيب الثالث بين أفضل السنوات أداء منذ 2007 من حيث حصيلة صفقات الطرح العام الأولي، وفق بيانات جمعتها بلومبرغ.
ويشكل الخليج 45 في المئة من إجمالي أحجام الطروح العامة الأولية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا العام الجاري، بالمقارنة مع 51 في المئة خلال عام 2022.
ولا يتوقع المحللون والمصرفيون أن تتباطأ عمليات الطرح الأولي بالمنطقة العربية في أي وقت قريب، مع استمرار القوة الدافعة للنمو القوي والإصلاحات الحكومية وطلب المستثمرين.
وقال كريستيان كابان، رئيس وحدة أسواق رأس المال بمناطق وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في بنك أوف أميركا، لبلومبرغ “هناك آفاق مستقبلية قوية لأداء عمليات الطرح الأولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2024”.
وربما يكون الفرق بين عامي 2023 و2024 هو أن الأخير سيشهد وفق توقعاتنا دخول المزيد من الشركات الخاصة للأسواق، بما فيها سوق الإمارات.
ومن بين الشركات التي تعتزم الإدراج بالبورصة في أقرب وقت خلال العام المقبل شركة الطيران السعودية منخفضة التكلفة طيران ناس، التي عينت بنوكا لإدارة عملية الطرح العام الأولية المحتملة.
وتسعى كل من سلسلة متاجر سبينس دبي، وشركة أدفانسد إنهليشن رتشولز مالكة علامة الشيشة التجارية (الفاخر) بدورها إلى اقتحام هذا المضمار بغية توسيع أعمالها.
وتتطلع أيضا شركات ناشئة، مثل شركة التجارة الإلكترونية فلاورد وشركة تابي لخدمة “اشتري الآن وادفع لاحقا” السعوديتين، إلى الإدراج في البورصة.
وبلغ حجم الطروحات بمنطقة الشرق الأوسط في العام الماضي، 23 مليار دولار تقريبا، مقابل 31.2 مليار دولار خلال 2019، والتي جرت خلالها أكبر عملية طرح عام أولي في التاريخ لأسهم عملاق النفط السعودي أرامكو التي بلغت قيمتها 29.4 مليار دولار.
ويتناقض الأداء القوي للمنطقة بشكل صارخ مع العديد من الأسواق الرئيسية الأخرى للطروح الأولية، بداية من الولايات المتحدة وصولا إلى أوروبا والصين.
وعلى مستوى العالم، تتجه عمليات الطرح الأولي إلى تسجيل أسوأ أداء سنوي لها منذ عام 2009، في ظل الأداء الباهت للأسهم عند تداولها في البورصة بعد الإدراج، مثل شركة بيركنستوك هولدينغ الألمانية لصناعة الأحذية.
وتختلف القصة تماما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فقد بلغ متوسط ارتفاع الأسهم بعد عمليات الطرح الأولي، التي جمعت 100 مليون دولار على الأقل، 40 في المئة تقريبا.
ولم ينخفض في التداول إلا سهم شركة واحدة هي إنفستكورب كابيتال البحرينية، كما هبط سهم شركة الاستثمار البديل بنسبة 13 في المئة عن سعر الطرح بعد انتهاء فترة الحفاظ على استقرار السهم بعد شهر على بدء تداوله.
ويتوقع أن يحافظ الأداء القوي لعمليات الطرح الأولي بالمنطقة على عودة المستثمرين للمشاركة في المزيد من الصفقات، خاصة أن الكثير منها تدر إيرادات مغرية وتوفر فرصة للتوسع في قطاعات لم تكن ممثلة بدرجة ملائمة في الأسواق قبل ذلك.
وقال رامي صيداني، رئيس إدارة محافظ استثمار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاستثمار في الأسواق الواعدة بشركة شرودرز إنفستمنت مانجمنت، “يحرص المستثمرون بشدة على الاستثمار حاليا بهذه القطاعات الجديدة التي باتت فجأة متاحة بالسوق”.
وأوضح في حديثه مع بلومبرغ أنه لذلك الأمر “نلحظ إقبالا هائلا من المستثمرين، حيث تتميز عمليات الطرح الأولي بتسعير جيد نسبيا”.
ومع كل ذلك الزخم لم يكن الأمر بكل تأكيد سهلا بالنسبة للأسواق في المنطقة جراء التوترات الجيوسياسية، ناهيك عن التقلبات اليومية التي تتركها الأزمات الاقتصادية بما في ذلك التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة.
وتراجع مؤشر أم.أس.سي.آي لدول الخليج بنسبة 3.2 في المئة مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة مطلع أكتوبر الماضي، وسط خشية المستثمرين من اتساع نطاق الحرب.
ولكن مع تراجع هذه المخاوف عاود المؤشر منذ ذلك الوقت إلى الصعود مجددا بواقع 12 في المئة تقريبا.
وأوضح صلاح شما، رئيس وحدة الاستثمار في الأسهم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة فرانكلين تمبلتون المقيم في دبي، أن السوق لا تزال في وضع جيد ولم تتأثر بالصراع.
وقال إنه “يمكن أن تبقى الأمور تحت السيطرة تماما، ورغم ذلك، إذا تصاعدت التوترات واتسع مسرح العمليات، فسوف يكون لذلك قطعا، تأثير ضار على علاوة المخاطرة ونظرة المستثمرين للمنطقة” مستقبلا.
ويتمثل الخطر الآخر على عمليات الطرح الأولي في الخليج العربي في ضعف أداء مبيعات الأسهم، والتي صار يُنظر لها فعليا على أنها وسيلة موثوقة لكسب الأموال، خاصة إذا كانت شركات تابعة للحكومة.
وقال أندرو بريسكو، رئيس مشارك لوحدة أسواق رأس المال بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى بنك أوف أميركا، “إذا كان هناك خطر، فإنه يكمن في الأداء بعد الإدراج”.
وأشار إلى أن الحوافز لدى البائعين والشركات والمشترين من المؤسسات والأفراد المحليين تتوافق فيما بينها، ولكن مع تحول عمليات الطرح الأولي نحو الشركات الخاصة، سيكون من الضروري أن نشهد استمرار هذا التوافق في الحوافز.