من يُنجد القطاعات الخاصّة لكي تُنجدنا؟

قام المستثمرون لسنين طويلة بتلبية حاجات الحكومة اللبنانيّة التمويليّة، قبل حدوث هذا التوقّف المفاجئ، وذلك عن طريق النظام المصرفيّ السائد في لبنان. إذ ساهم معظم المستثمرين والمودعين الّذين رغبوا في وضع مدّخراتهم في بلدهم، بالإضافة إلى المغتربين والمودعين الإقليميّين، في جعل مؤشّر صافي التدفّقات المودعة بالعملات الأجنبيّة إيجابيًّا لسنوات عدة.

بين العامين 2009-2019، كانت الموازنة العامّة والميزان التجاريّ يُشيران إلى عجزٍ بمتوسّط مقداره ـ 11,1%، بالإضافة إلى ناتج عجز متراكم في إجمالي الناتج القوميّ بمقدار 150% في العام 2017، تعكس هذه الأرقام عجزًا حقيقيًّا مقداره -22,6% بالمقارنة مع 15% في العام 2007. هذا ما يشرح بطريقة واضحة أنّ العجوزات قد مُوِّلت من تدفّق الودائع عبر مصرف لبنان والنظام المصرفيّ.

أمّا بعد أحداث 2019، هرع المواطنون لسحب ودائعهم من المصارف إثر فقدانهم الثقة بها، وبلغ ردّ فعل النظام المصرفيّ ذروته في سياسة التوقّف المفاجئ والحجز على الودائع، الّتي بدورها فضحت هشاشة النظام المصرفيّ اللبنانيّ، الّذي انهار بدوره نتيجة التفاعل المتبادل بين قطاعات الاقتصاد المحلّيّة الأربعة (المصارف الخاصّة، ومصرف لبنان، والحكومة، والقطاعات الخاصّة) حيث إنّ ترابطها جعل أيّ أمرٍ يطرأ على إحداها يؤثّر على غيرها.

بالإضافة إلى هشاشة النظام الاقتصاديّ في لبنان، بقي ثقل عجز ميزان التجارة أمرًا جوهريًّا، خصوصًا مع استمرار سياسة دعم المحروقات والمواد الأوليّة، ممّا وضع الحكومة والمصرف المركزيّ تحت ضغط الشارع، ناهيك عن مشكلة الكهرباء الّتي لا يمكن المساس بها (إلى هذه اللحظة). كخطوة أولى، نجد أنّ لدى الحكومة اللبنانيّة والقطاع المصرفيّ حلولًا يمكنها أن تساهم في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصاديّة الراهنة:
ـ أولًا، الحلّ سياسيّ مناسب، يسمح بتطوير مشروع إصلاح المشاكل الماليّة والاقتصاديّة وتطوير أنظمتها.

ـ ثانيًا، تكوين حكومة جديدة من شأنها أن تساعد في حلّ الحاجّة الملحّة إلى السيولة الخارجيّة المباشرة نحو القطّاع المصرفيّ، وهذا بدوره سيؤدّي إلى فكّ التجميد على الودائع وإعادة الثقة بالقطّاع المصرفيّ.
ـ ثالثًا، حل أزمة السيولة ودعم القطاعات المنتجة. ففي لبنان، وإن كان دور المصرف المركزيّ في الحالات العاديّة المساعدة في توفير السيولة ومساندة المصارف التجاريّة.

لنقوم بنجدة بلدنا، يجب إعادة هيكلة دين الشركات والقطاعات الخاصّة لكي تستطيع الاستثمار، فهي عاجزة عن إعادة الدخول إلى معترك الأسواق في ظلّ الفوائد المجحفة الّتي ما زالت تفرضها عليها المصارف التجاريّة، في حين أنّها قد تقوم بالدور الّذي يُعيد مقوّمات الحياة للمودع، بما توفّره من فرص عمل جديدة ومتجدّدة، وزيادة في الانتاجيّة، والتغلّب على معوّقات النُظم الريعيّة الّتي عهدناها. وبذلك، تنقذ الحكومة في سعيها إلى تصويب أنظمتها الاقتصاديّة والماليّة.

مصدرجريدة الجمهورية - البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ
المادة السابقةسيارة صينية أنيقة واقتصادية تكتسح الأسواق
المقالة القادمةدولارات المغتربين…نعمة أم نقمة؟