أظهرت وقائع مناقشات الجلسة الأولى لمجلس الوزراء أمس الأول لمناقشة مشروع موازنة 2019، أن ثمّة توجّهات مختلفة وأحياناً متعارضة لدى مكوّنات الحكومة السياسية، عبّرت عنها ملاحظات ومداخلات النواب، التي خلصت بمجملها إلى أن الموازنة لم تتضمّن كما يُفترض رؤية إصلاحية شاملة للأوضاع المالية والاقتصادية والنقدية والإدارية، بل كانت عبارة عن موازنة تجميع أرقام وحسابات حول النفقات والواردات المقدّرة والتخفيضات المطلوبة من أرقام الموازنة لتخفيض العجز، واقتراحات حسابيّة من أجل زيادة الواردات فقط عبر إجراءات معيّنة .
ورأت مصادر وزارية أن إجراءات التخفيض طالت أموراً وتغاضت عن أخرى أساسية، عدا عن عدم شمولها خطة أو رؤية للإصلاح الإداري من أجل النهوض بقطاعات الدولة الإنتاجية والاستثمارية وتطويرها لتحفيز النمو وجلب الاستثمارات، وثمّة من اقترح خصخصة قطاع الاتصالات أولاً كونه الأكثر إنتاجية أسوة بما حصل من خصخصة قطاع الكهرباء عبر شركات محلية أو أجنبية، مع وضع ضوابط سليمة ومراقبة دقيقة تتيح إنتاجية أفضل وأرباح أكثر للدولة.
وبدا أن همّ وزارة المال ورئيس الحكومة من مشروع الموازنة هو فقط خفض العجز نزولاً عند طلبات دول مؤتمر “سيدر” والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما ظهرت مخاوف وزارية من أن تكون التقديرات التي وردت في المشروع غير دقيقة أو تحصل عليها تطوّرات ما، كارتفاع سعر “الفيول أويل” للكهرباء ما يزيد أرقام النفقات ويُبقي خفض العجز ضمن حدود ضيقة.
وظهر خلال النقاش التوافق والتناغم غير المقصود ربما بين وزراء “حزب الله” و”القوات اللبنانية” حول أمور عديدة لا سيّما غياب أية رؤية شاملة للإصلاح المال والاقتصادي، والدعوة إلى إعادة هيكلة قطاعات الدولة، ووافقهم في ذلك وزير الاقتصاد من “التيار الوطني الحر” منصور بطيش.
المهمّ في ما تبقّى من أيام لمناقشة الموازنة، أن تحصل تعديلات عليها من قبل الوزراء الداعين للإصلاح وتطوير الإدارة ووضع رؤية شاملة، قبل أن تُحال إلى المجلس النيابي، الذي يُتوقّع أن يعمل بها أيضاً مقصّ التعديلات تعديلاً وتغييراً ربما لا يكون لمصلحة توجّهات الحكومة، فتهتزّ مجدداً ثقة الدول المانحة بها، برغم التوافق شبه التامّ بين مكوّنات الحكومة على ضرورة خفض العجز والإنفاق، لكن الخلاف: كيف؟ ومن أية أبواب؟ وأية قطاعات سيطال، ومن سيتمّ إعفاؤه من الاقتطاع ولماذا؟ وإلى أية نتيجة ستصل هذه السياسات؟
ثمّة من يطرح من الوزراء التوجّه للخارج أكثر لجلب الاستثمارات بعد توفير الضمانات الإصلاحية في الإدارة والقضاء، وثمّة من يتحفّظ أو يتروّى بخوض هذا التوجّه ويفضّل حسم بعض الأمور أولاً مثل التوافق على التخفيضات الصحيحة وليس الاستنسابية لترشيق القطاع العام وإشراك المصارف وأصحاب رؤوس الأموال والرساميل والمشاريع الكبيرة في المعالجة، سواء عبر إخضاعهم لبعض الإجراءات أو تحفيزهم على الشراكة لزيادة الإنتاجية وتحقيق الإصلاح في قطاعات منتجة. فهل تصل الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة إلى رؤية أوضح وأصلح لتحقيق نمو الاقتصاد وإصلاح الوضع المالي والنقدي للدولة؟