موازنة 2019… للخارج “تكرَم عينك” وللداخل “إيدنا بجيبتك”

 

“عفا الله عمّا مضى”، هذا ما تبغي السلطتان التنفيذيّة والتشريعيّة الحصول عليه كـ “براءة ذمّة”، وذلك من خلال فرض موازنة عامة “تقشفيّة” لا تشمل مزاريب الهدر وتفشّي النهب في الإدارات الرسميّة، وكأنّ لا دور لهذه الحكومة المُماثلة لسابقاتها ولا ذنب اقترفه مجلس النوّاب الحالي “طويل العمر” المُتطابق مع أسلافه، في صناعة ومفاقمة الأزمات المتلاحقة، السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، التي لا تفارق شعب لبنان المغلوب على أمر مُعظَمِه “طوعيّاً”.

بعد خضوع “الدولة” لشروط مؤتمر “سيدر” طمعاً بقطف القروض والهبات الخارجيّة، وسعي الحكومة، أولاً: إلى فرض تخفيض رواتب ومكتسبات موظفي القطاع العام، وثانياً: إلى إلزام المصارف إقراض الدولة بلا ضمانات إصلاحيّة عدا عن رفع الضريبة على فوائد الوادئع المصرفيّة، بات لدى المُتحكّمين بالإدارة اللبنانيّة ثلاثة “مانحين”، هم:

– مؤتمر سيدر.

– القطاع العام.

– القطاع المصرفي.

الفارق في التعامل الرسمي مع “سيدر” كمانح خارجي و”القطاعين العام والمصرفي” كمانحَين داخليّيَن، هو أنّ الدولة “السياديّة” تعاملت مع الخارج وشروطه على طريقة “تكرَم عينك”، في حين تتعامل الدولة “الجائعة” مع الداخل وظروفه السيئة على طريقة “إيدنا بجيبتك”.

أما “القاسم المشترك “المُخجِل لِمَن يخجل” الذي يؤخِّر الإفراج عن المساعدات الخارجيّة ويملأ الساحة الداخليّة بالإعتراضات والإضرابات في مختلف القطاعات، إنما يتمثّل في انعدام ثقة المانحِين الثلاثة “بشكل متساوٍ ومطلق” بالطبقة السياسيّة المُتحكّمة بالإدارة اللبنانيّة من دون كفاءة ظاهرة.

وللإثبات، يكفي أنّ مجرد بدء دراسة بنود الموازنة في الحكومة، حتى قبل إحالتها إلى مجلس النوّاب، خلق أجواء نقمة عارمة في المجتمع “المنكوب بقياداته بعد الانتخابات”، وزاد في الطين بِلَّة الحديث عن امتعاض دولي من الأداء الرسمي ترافق مع كلام عن نيّة بعض الدول التراجع عن تعهداتها.

ليس من المتوقع أنْ يتبدّل شيء خلال مناقشة الموازنة في مجلس النوّاب “بيّ الحكومة وأمها”، خصوصاً أنّ الموازنة من إنتاج حكومة مُستولدة من معظم الكتل النيابيّة، بل سيتكفّل البرلمان بتمرير ما عجزت عنه الحكومة.

“الإمتناع” عن تطبيق ثلاثيّة “وقف الهدر ومكافحة الفساد ومنع النهب” دفع بالمسؤولين المُقصّرين في إدارة “الدولة” إلى استجداء مساعدات دوليّة وإلى التزلّف للخارج وفوق ذلك مدّ اليد على جيوب الناس ومدخراتهم.

هذه “الثلاثيّة” هي نقطة الانطلاق الصحيحة للبدء بالإصلاح وحصد إيجابيّاته، ومن دونها الطريق إلى “الدولة المنبوذة” من الداخل مفتوحة جدّاً، فهل أخطأ المسؤولون أم تسرّعوا؟

أمام الشعب، ولو بعد حين، الخارج لا يحمي المسؤولين.

بواسطةحسن سعد
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةعون وبرِّي: حدودنا البحرية مِلكنا… والموازنــة مهدّدة بالحسابات
المقالة القادمةخفيض رواتب السلطة.. “من معه ومن وضدّه”؟