لطالما كانت السياحة في لبنان إحدى ركائز الإقتصاد لا بل أحد أبرز أعمدة هذا الإقتصاد، وكانت جائحة كورونا والأزمة الإقتصادية ادت الى تراجع القطاع طيلة سنتين، لكن منذ العام الماضي بدأت الحركة تعود رغم انكفاء مواطني دول خليجية وعربية عن زيارة لبنان باستثناء بعض الدول لا سيما العراق والأردن ومصر، إضافة إلى إقبال المغتربين وبأعداد غير مسبوقة لزيارة لبنان في موسم الصيف، حيث من المتوقع أنْ يبلغ حجم ما يدخله السياح والمغتربون ما يُقارب الـ10 مليارات دولار.
كيف يُقيم وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار في اتصال مع صحيفة «نداء الوطن»، واقع الموسم السياحي؟ وماذا يقول عن تفلّت الأسعار وغلاء بطاقات السفر؟
عن تقييم الموسم يقول: «لا شك بأن الموسم السياحي لهذا العام مزدهرٌ وواعدٌ ان لجهة الحجوزات أو لنسبة إشغال الفنادق والحركة السياحية في المناطق، من المتوقع أن يصل عدد الزائرين إلى لبنان إلى مليوني زائر يدخلون معهم كتلة نقدية تتجاوز الـ 10 مليارات دولار تساهم في تحريك عجلة الإقتصاد».
25% من العرب والأجانب
اما بالنسبة للسياح الذين يقصدون لبنان فيؤكد «ان المنتشرين اللبنانيين يشكلون نسبة 75% من عدد القادمين و 25% من الأجانب أغلبهم من الأشقاء العرب من مصر والعراق والأردن». ويرفض مقولة ان الاسعار في لبنان مرتفعة، ويوضح ما يلي: «بداية ومقارنة مع دول الجوار لا يعتبر لبنان الأعلى سعراً نسبة للخدمة المقدمة. فما زالت المؤسسات السياحية ورغم الظروف الراهنة تحافظ على الجودة والنوعية، وما يميز لبنان أن فيه مؤسسات ترضي مختلف الأذواق والفئات الإجتماعية، أما لناحية الرقابة فتقوم الأجهزه الرقابية في الوزارة بواجباتها على أكمل وجه لناحية إلزام المؤسسات بإعلان لوائح أسعارها بشكل يمكّن رواد هذه المؤسسة من الاطلاع عليها قبل الدخول وتبقى لهم حرية الإختيار». ويشير إلى أهمية التعاون مع وزارة الإقتصاد من أجل ضبط الأسعار مع الحفاظ على استمرارية عمل المؤسسات السياحية.
بطاقات السفر
وعن ارتفاع اسعار بطاقات السفر في شركة طيران الشرق الأوسط يوضح أن الحجوزات المتأخرة ترفع كلفة البطاقات، ورغم ذلك الحجوزات شبه مكتملة الى ما بعد نهاية موسم الصيف، وقد ساهمت الحملات الترويجية السياحية المتتالية التي أقامتها وزارة السياحة من حملة «بجنونك بحبك» إلى «أهلا بهالطلة» إلى «عيدا عالشتوية» الى «أهلا بهالطلة أهلا» في تنشيط السياحة اللبنانية واستقطاب اعداد الزائرين.
ويؤكد انه بالنسبة للأماكن التاريخية كالمتاحف والآثار وهي تابعة للمديرية العامة للآثار فان تعرفة دخولها مقبولة وليست مرتفعة، أما بالنسبة للمهرجانات وفي ظل غياب المساهمات المالية فإنها تمول نفسها من خلال البطاقات التي تباع، إنما بشكل عام فان تنشيط السياحة يؤدي حكماً إلى تنشيط الإقتصاد وتحريك العجلة في لبنان.
دولرة الأسعار
وينتقد الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي ما يقال عن دولرة الأسعار في القطاع السياحي بالكامل، وأكد «أن أسعار المسابح والفنادق لم تصل بعد إلى مستويات 2019 ونحن نتقاضى 50 بالمئة من أسعار ما قبل الأزمة، نظراً لمحدودية السوق اللبناني حيث أن 70 بالمئة من زبائن هذا القطاع هم من اللبنانيين الذين تدهورت قدرتهم الشرائية، باستثناء شريحة ضيقة من الذين لم يتأثروا بالأزمة»، مشيراً إلى «أن الأسعار في المطاعم هي التي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث أن بعض المطاعم التي تتميز بخدمتها وإطلالتها وجودتها وصلت إلى هذه المستويات، والسبب أن الكلفة التشغيلية للمطاعم مرتفعة جداً، من يد عاملة إلى مكونات المطبخ التي ارتفعت أسعارها في لبنان وخارجه بين 30و35 بالمئة، وكذلك كلفة الطاقة المرتفعة التي كانت تقتطع 8 بالمئة من المداخيل، فارتفعت لتصبح 28 بالمئة».
أسعار موسمية أو مستدامة؟
وعما إذا كانت هذه الأسعار موسمية أو أنها مستدامة، اعتبر بيروتي أن «عمل الفنادق في فصل الصيف ليس كما هو في فصل الشتاء، وستشهد الأسعار انخفاضاً بعد انتهاء الموسم». أما بالنسبة للمطاعم، فرأى بيروتي «أنه من الصعب تراجع الأسعار بعد انتهاء الموسم وذلك لأن كلفة المطاعم ترتفع يوماً بعد يوم، لذلك لن تشهد المطاعم تراجعاً في أسعارها، فهي اليوم تعمل بمستوى 70 و 80 بالمئة مقارنة بمستوى أسعار 2019».
ويختم بيروتي بتسليط الضوء على دور كل من وزارة السياحة والنقابات السياحية في لبنان معتبراً أن «دور وزارة السياحة ضروري وأساسي لتنظيم هذا القطاع، وعليها أن تُلزم المؤسسات بأن تعلن عن أسعارها بشكل واضح ومسبق، وكذلك على النقابات أن تلعب دوراً في توجيه العاملين في القطاع الى الإدارة الصحيحة والمحافظة على أفضل جودة وأفضل خدمة، بهدف الحفاظ على سمعة القطاع السياحي في لبنان».
إرتفاعات مبالغ فيها!
يرى الخبير في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين «أن الأسباب التي أدت إلى بلوغ الأسعار في القطاع السياحي إلى مستويات 2019 هي عديدة، ومنها: كلفة الموتورات والكهرباء، عودة قيمة العقار لحالته الطبيعية، زيادة رواتب الموظفين حتى وإن لم تعد لمستويات ما قبل الأزمة، ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة ما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم السّلع المستوردة، إغلاق عدد كبير من المطاعم وبالتالي زيادة الطلب على المطاعم الموجودة حالياً، إعادة تكوين البنية الطبقية حيث أدى التضخم إلى إعادة تشكيل 3 طبقات: الأولى تتألف من الطبقة التي بالكاد قادرة على تأمين حاجاتها الأساسة وبالتالي هي غير قادرة على الترفيه، والثانية تحاول أن تحافظ على المستوى، أما الثالثة فهي تشمل الطبقة الميسورة ومن بينهم اللبنانيون الوافدون من الخارج وهم لا يتأثرون بارتفاع الأسعار، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب على هذه الخدمات ونظراً لقاعدة العرض والطلب حتماً سترتفع الاسعار. كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة الكلفة في المطاعم، ولكن هناك مبالغة في تحقيق الأرباح نتيجة ارتفاع الطلب على المطاعم من قبل الميسورين، وبالتالي إن المطاعم الموجودة بالكاد قادرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الأثرياء والقادمين من الخارج، وتبقى شريحة لا بأس بها غير قادرة على دفع هذه الفواتير».
مقومات المنافسة السياحية؟
لا شك أن قرار دولرة الأسعار أدى إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي إعادة هوامش ربح أصحاب المطاعم والمقاهي والمؤسسات السياحية إلى مستويات ما قبل أزمة 2019. ويشير شمس الدين إلى «أن لبنان غير قادر على المنافسة سياحياً على الرغم من قدوم عدد كبير من السياح، لأن كلفة السياحة في لبنان أغلى مقارنةً مع محيطه الجغرافي، ففي مصر وصل سعر الدولار إلى 30 جينهاً، وفي تركيا إلى 26 ليرة تركية وما زالت السياحة أقل كلفة. فعلى سبيل المثال، إن تمضية عطلة في تركيا لأسرة مؤلفة من 4 أفراد تكلف حوالى 1000 دولار من ضمنها التذاكر والفندق والمصاريف الأخرى».
36 الف راكب يومياً
أصبح اليوم لقدوم السياح إلى لبنان نظرة مختلفة، حيث تتجه العيون نحو العملة الخضراء التي من المفترض أن تنعش البلد. وفيما ينتظر لبنان زيادة عدد القادمين إليه في فصل الصيف لتعزيز الحركة السياحية، خاصة بعد الحركة التي شهدها مطار بيروت يوم الأحد 2 تموز: «وصول نحو 21 ألف راكب «، وفق ما قاله وزير الأشغال العامة علي حمية، الذي أضاف أنه «بتنا نتكلم الآن عن نحو 36 ألف راكب كمعدل وسطي في اليوم»، فهل ما زالت السياحة في لبنان تجذب كل هؤلاء القادمين خاصةً بعد دولرة القطاع السياحي وبلوغ أسعاره مستويات عام 2019؟
مؤشرات التضخم
ففي الفترة الممتدّة بين نهاية 2018 ونهاية آذار 2023 سجّل مؤشر أسعارالفنادق والمطاعم، بحسب إدارة الإحصاء المركزي، ارتفاعاً من 114 نقطة إلى 24920 نقطة. وتصدّر لبنان لائحة الدول الأكثر تضخماً من حيث الغذاء عالمياً، إذ بلغت النسبة 352 بالمئة، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة التي تزامنت مع الغلاء في أسعار السلع والخدمات الأساسية والطاقة والنقل والملابس وغيرها، حسب ما أعلن موقع «World of Statistics». وأفاد برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بأن معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية يرتفع بشكل كبير في ظل عجز موازنة خانق ومستويات عالية من الدين العام وانخفاض قيمة العملة ومستويات خطيرة من التضخم في العديد من البلدان في المنطقة، وتواجه خمسة بلدان في المنطقة معدلات تضخم في أسعار الغذاء تتجاواز الـ60 في المائة، من بينها لبنان حيث يواجه تضخماً في أسعار المواد الغذائية يصل إلى 138 في المئة.