نصف الأموال مخزنة في المنازل.. لماذا يرفض العراقيون وضع مدخراتهم بالبنوك؟

على مدى العقود الماضية، امتنع العراقيون عن حفظ أموالهم أو إيداعها في المصارف ولأسباب عديدة، ما جعل غالبية السيولة النقدية بالعملة العراقية خارج المصارف سواء الحكومية منها أو الأهلية، ما تسبب بأزمة مالية على مدى الأشهر الماضية.

وشهد العراق أزمة سيولة نقدية كبيرة عقب تراجع أسعار النفط العالمية إثر جائحة فيروس كورونا، مما أدى إلى صعوبات واجهتها الحكومة العراقية في توفير النقد العراقي لسد الاحتياجات المترتبة عليها كرواتب الموظفين العموميين والنفقات التشغيلية.

ومع عدم إقرار الموازنة المالية العامة للعام الجاري 2020، اتجهت الحكومة نحو الاقتراض الخارجي والداخلي من المصارف بعد سنّ البرلمان قانونا يسمح لها بالاقتراض لمدة محدودة، إلا أن المصارف ذاتها كانت تعاني أساسا من نقص السيولة بالعملة المحلية، وبالتالي دعا البنك المركزي العراقي المواطنين لإيداع أموالهم في المصارف بدلا الاحتفاظ بها في البيوت والشركات.

غياب التشريعات
العديد من المسؤولين والخبراء في العراق يعزون عدم ثقة المواطن العراقي بالنظام المصرفي إلى أسباب عديدة، من أبرزها افتقار البنية التحتية للأنظمة المصرفية بجميع أنواعها للمصداقية من قبل العراقيين رغم أن العراق لديه 86 مصرفا حكوميا وأهليا، كما يقول عضو اللجنة المالية النيابية أحمد حمة رشيد.

ويضيف حمة رشيد أن ذلك يعني أن هذه المصارف لم تستطع مشاركة العراقيين في بناء البنية التحتية الاقتصادية بسبب سوء النظام المصرفي وعدم إيفاء هذه البنوك بالتزاماتها تجاه العراقيين، كما أن العراق لا يزال يفتقر لتشريع قانوني يضمن الودائع في البنوك على الرغم من تقديم مسودة هذا القانون منذ الدورة البرلمانية السابقة (2014-2018).

وعن حجم الكتلة النقدية بالدينار العراقي، يكشف حمة رشيد للجزيرة نت أن لدى العراق كتلة نقدية مطبوعة صادرة عن البنك المركزي تقدر بـ 80 تريليون دينار عراقي، وبحجم تداول يتراوح بين 38 إلى 40 تريليون دينار، غير أن أقل من نصف الرقم الأخير هو الموجود في المصارف الحكومية والأهلية، والباقي مخزن لدى التجار والأهالي في منازلهم، وهو ما أدى إلى أن تواجه الحكومة أزمة في الاقتراض من المصارف بسبب اعتماد العراق حتى الآن على تداول العملة الورقية دون الاعتماد على التداول الإلكتروني والبطاقات الائتمانية.

مشاكل موروثة
ويذهب في هذا المنحى الخبير الاقتصادي همام الشمّاع الذي يؤكد للجزيرة نت أن المشكلات التي يعاني منها النظام المصرفي العراقي قديمة وموروثة من عقود خلت، إذ لم تواكب المصارف التقدم الكبير في العالم، ولم تتحول حتى الآن نحو الصيرفة الإلكترونية، حتى أن المواطن العراقي لا يكاد يجد صرّافا آليا في الطرقات.

وبالتالي فعمليات السحب النقدي في البلاد دائما ما تكون عن طريق فروع المصارف وخلال أوقات الدوام الرسمي فقط، وهذه مشكلة كبيرة يواجهها العراقيون في حال إيداع أموالهم بالمصارف.

ويضيف الشماع أن الأزمات السياسية المتتالية في البلاد وتأميم المصارف في العقود الماضية والاستيلاء على أموال المودعين، كل هذه الإجراءات أفقدت العراقيين الثقة بالمصارف، ما أدى إلى خزن الأموال في البيوت، وبالتالي فإن الأموال المودعة في المصارف لا تزيد على 15% من حجم الكتلة النقدية العراقية.

تقادم النظام
مرت 17 عاما على انفتاح العراق على الاقتصاد العالمي، غير أن جميع العراقيين لا يزالون يتعاملون بالعملة الورقية دون التعامل الإلكتروني عن طريق البطاقات الائتمانية.

ويشير أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني إلى أن نسبة اكتناز العراقيين لأموالهم تقارب الـ 77% من مجموع الكتلة النقدية في البلاد، مع غياب ماكنات الصرافة الآلية ونقاط البيع في المتاجر (BOS).

ويعتقد المشهداني أن النظام المصرفي لا يمتلك القدرة على استقطاب المودعين والحفاظ على أموالهم، فضلا عن التعامل الحسن معهم، بما أدى منذ تسعينيات القرن الماضي إلى أن تلجأ جميع الحكومات إلى إيقاف سحوبات المودعين في فترة الأزمات.

وفي حديثه للجزيرة نت يكشف المشهداني عن أن قانون مكافحة غسيل الأموال والإرهاب طُبِّق بإجحاف كبير على العراقيين، إذ إن فتح أي حساب مصرفي يتطلب ملء استمارات معقدة وأسئلة عن مصدر الأموال، فضلا عن مطالبة المصرف للمودع بجلب كفيل يضمنه في خطوة وصفها بـ (غير المنطقية).

وعن سبب عدم وجود مصارف أجنبية مرموقة في البلاد، يشير إلى أن البنك المركزي اشترط على المصارف الأجنبية أن يكون رأس مالها 50 مليون دولار وأن يكون هدفها الدخول في مجال التنمية، غير أن بعضها استغل وجوده في تهريب الأموال، فضلا عن أن السماح لها بدخول مزاد العملة الأجنبية (شراء الدولار من البنك المركزي مباشرة) حوّل عملها من تنموي وإقراضي إلى البحث عن الأرباح بعد أن سمح لها البنك المركزي بشراء 5 ملايين دولار يوميا وبسعر صرف (1190 دينارا للدولار) وهو أقل بـ 40 دينارا لكل دولار يباع في السوق السوداء.

ويؤكد هذا الطرح عضو اللجنة القانونية البرلمانية رشيد العزاوي في حديثه للجزيرة نت، الذي يرى أن المصارف العراقية تعاني من مشكلات قديمة وأهمها أن المصارف في العراق تطالب جميع المودعين بملء استمارة تعرف بـ (من أين لك هذا؟)، وبالتالي يدخل المودِع في جملة من الإجراءات الروتينية والبيروقراطية التي تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يودع أمواله في البنوك، وهذا ما أثر على وضع الكتلة النقدية المتوفرة في البنوك وحتى في تراجع الاستثمار بالبلاد.

العقوبات الأميركية
تتعدد المشكلات التي يعاني منها النظام المصرفي في العراق، إذ إنه وخلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، شهدت هذه المحافظات إغلاق جميع المصارف فيها وبالتالي عدم مقدرة المودعين على سحب أموالهم.

ويشير المشهداني إلى أن البنك المركزي في جميع دول العالم يعد ضامنا على اعتبار أن جميع المصارف تفتح بعد استحصال موافقاته الأصولية.

ونتيجة لذلك يؤكد المشهداني أن ما لا يقل عن 16 مصرفا عراقيا أغلق نتيجة ما حدث ومنها مصرف الوركاء والشرق الأوسط والموصل والشمال وغيرها، وبالتالي لم يستطع المودعون سحب أموالهم، نتيجة عدم وجود ضمان حقيقي من قبل البنك المركزي.

ويعلق الصحفي جمال البدراني في حديثه للجزيرة نت بالقول: “فقد المواطن العراقي ثقته بالنظام المصرفي في ثلاث مراحل تتمثل بالفترة التي أعقبت حرب الخليج عام 1991، ثم الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وأخيرا في عام 2014 عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من العراق”.

ويؤكد البدراني أن أهالي الموصل عانوا كثيرا في سحب أموالهم التي كانت قد أودعت في المصارف قبل عام 2014، وبات يتطلب سحبها موافقات وتصاريح أمنية فضلا عن إعادتها على دفعات للمودعين.

من الناحية الأخرى، فرضت الإدارة الأميركية في الأشهر السابقة عقوبات على بعض المصارف العراقية بسبب تعاملها المالي مع إيران، وهو ما أدى إلى أن يضع البنك المركزي يده عليها مع تجميد حساباتها.

هذا ما يشير إليه أحمد حمة رشيد في أن غالبية المصارف الأهلية في العراق تمتلكها شخصيات وأحزاب سياسية ومتنفذون، وبالتالي فهي معرضة في كل يوم للحجر عليها من قبل البنك المركزي، ومع عدم وجود قانون يضمن الودائع، فإن المودعين قد يخسرون أموالهم في أي لحظة.

 

مصدرالجزيرة نت - أحمد الدباغ
المادة السابقةقفزة كبيرة لزوم وأمازون وغيرها.. أسهم التكنولوجيا تربك البورصة الأميركية
المقالة القادمةالرياض تحتضن المكتب الإقليمي لمنظمة السياحة العالمية