تقول الأسطورة إنّ لبنان يعوم فوق بحر من المياه، وتؤكّد المناهج في كتب الجغرافيا وغيرها «غنى الطبيعة اللبنانية بالأنهار وروافدها»، وتتغزّل بالمياه الجوفية الكامنة تحت أراضي لبنان والتي يطمع فيها كلّ غازٍ ومحتل. أما الحقيقة فأمر آخر. إذ فيما تغرق المياه الطرقات، يسيطر «الجفاف» على البيوت، ويعتمد 71% من اللبنانيين في شربهم على المياه المعبأة (54%) أو المكرّرة (17%) في محال بيع المياه.بحسب استطلاع نشر أخيراً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان شمل 6464 منزلاً (3642 منها للبنانيين، والبقية توزعت بين لاجئين فلسطينيين و«مهاجرين من جنسيات مختلفة»)، وبمعدّل 3,4 فرد لكل عائلة، تبيّن وجود مشكلة مياه عابرة للمقيمين في لبنان، في ظل استقالة تامة للدولة. إذ أهملت شبكات مياه الشفة (الصالحة للشرب) حتى في العاصمة التي يشرب 90% من سكانها المياه المعبأة، فيما تبلغ النسبة في الجنوب 67%. وأشارت الأرقام أن أقل من ثلث اللبنانيين يحصبون على مياه الشفة من الشبكة العامة، و5% يلجأون إلى «الآبار المحمية»، فيما 56% لديهم مشكلة في تأمين كميّة كافية من المياه لإحدى حاجاتهم اليومية المتعدّدة من شرب، أو طبخ، أو للاستخدام في النظافة الشخصية والمنزلية. وأبرز المناطق التي طالها «الفقر المائي» كانت الأطراف، إذ أشار 50% من المستطلعين في عكار و35% في بعلبك – الهرمل إلى معاناتهم من أزمة مياه.
وتترك أزمة مياه الشرب بشكل أساسي أثراً بالغاً على حياة العائلات، بعدما تضاعف سعر عبوة المياه 30 مرة منذ عام 2022. وبحسب تقرير سابق لليونيسيف، يبلغ معدّل حاجة العائلة المكوّنة من 5 أفراد من مياه الشفة يومياً، للشرب والطبخ، نحو 10 ليترات، ما يضيف 22 دولاراً إضافية على مصاريف العائلة الشهرية. وقدرت اليونيسيف فاتورة الماء السنوية لكل منزل بـ261 دولاراً.
كذلك تضاعف سعر المياه المخصصة للاستخدام المنزلي 100 مرّة، ووصلت كلفة ملء خزان مياه بسعة 10 براميل إلى نحو مليوني ليرة. ولمواجهة الغلاء لجأت العائلات إلى إجراءات شتى من بينها «تخفيف الاستهلاك»، بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الذي أشار إلى أن 38% من اللبنانيين يلجأون الى «ترشيد استهلاك المياه»، فيما فضّل 22% منهم صرف أموال إضافية لتأمين الماء، ووصلت نسبة الذين اعتمدوا على «مصادر غير آمنة» لتأمين المياه، سواء للشرب أو الاستخدام، إلى 25%. وتحدث 15% من المستطلعين عن لجوئهم لمعالجة المياه قبل استخدامها، فعمد 86% منهم لتركيب الفلاتر، فيما اعتمد 6% على قطع قماش مربوطة على «الحنفيات» لتنقية المياه قبل استخدامها.