هجرة المستثمرين

من غرائب وعجائب الموازنة هو طرح ضريبة CRS في لبنان، اي تحصيل ضريبة من إيرادات الأسهم والسندات والودائع الخاصة باللبنانيين في الخارج، وهم مقيمون في الداخل.

إنّ اي كلام عن فرض أية ضريبة على أرباح محقّقة خارج لبنان هو خراب للبنان، مجرّد الحديث عنها سيُحدث انعكاسات مدمّرة على الاقتصاد الوطني!!!

هناك العديد من رجال الاعمال المنتجين الموجودين في لبنان والذين يملكون اعمالاً في الخارج، وفي الوقت نفسه يحرصون على إبقاء مكاتب واعمال لهم في لبنان. انّ قدرة هؤلاء على تحريك الاقتصاد هي عامل اساسي، فهم الفئة المحرّكة للاستثمارات والاعمال (Motor Elements of Societ)، والمفروض ان يتمّ تشجيعهم على البقاء وتوسيع اعمالهم لنربح المزيد من فرص الإنتاج، لا ان نقوم بتخويفهم ليغادروا البلد نهائياً. انّ فرض ضرائب على أرباحهم الخارجية ستكون نتيجته ان يرحلوا عن البلد وينقلوا كل اعمالهم الى الخارج، وهذه خسارة مهمّة للبنان. ولنتذكر الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو الذي تخلّى عن جنسيته الفرنسية بسبب ارتفاع الضرائب. فهل نريد ان يتخلّى الكثيرون عن الجواز اللبناني؟

هناك العديد من الفئات لكبار المستثمرين، منهم من هو مقيم في لبنان واعماله كلها في الخارج، ومنهم من يملك اعمالاً في الخارج وايضاً في لبنان، ومنهم من أسس كامل أعماله في لبنان وبدأ حالياً بالتوسع الى الخارج.

كل هؤلاء نحتاج ان نستقطبهم وان نبقيهم في لبنان، وان نحثهم على البقاء هنا والحفاظ على علاقة مميزة مع لبنان، وان يصرفوا ويودعوا اموالاً هنا، وان يفتتحوا مشاريع ويساعدوا في نهضة البلد.

ولا ننسى انّ لبنان يتميز بأعداد مغتربيه المرتفع المنتشرين حول العالم. علينا الاّ نقطع صلة هؤلاء بوطنهم بل على العكس، نقدّم لهم كافة التسهيلات لربطهم ببلدهم الام. كما اننا لم ننجح في استقطاب نسبة كبيرة منهم، ليأتوا الى لبنان ويجعلوا لبنان مركز اعمالهم، هذه الأعداد الهائلة اذا نجحنا بربطها واستقطابها قادرة ان تغيّر اقتصاد لبنان.

كما انّ الخطورة اليوم هو الإصرار على فرض ضرائب قبل تحقيق الازدهار. الأجدى السماح للناس بأن تحقق ارباحاً قبل ان نبادر الى فرض ضرائب مؤذية تشلّ الاقتصاد وتهشّل المستثمرين.

فالضريبة يجب ان يكون لها مبرر اقتصادي تنموي، غير ذلك تكون خراباً. انّ إقرار اية ضريبة يجب ان يكون من ضمن خطة اقتصادية متكاملة، والأهم ان يتمّ اعتماد الشفافية المطلقة في تحصيل وصرف الضرائب، ولذلك من الملحّ اقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة لإعادة الثقة.

اذاً، المطلوب اعادة الثقة لكبار المستثمرين عبر إعادة الودائع عامة، وخاصة الودائع الكبيرة، وإلغاء الضرائب المضرّة التي تهشلهم من لبنان، وتأمين البنية التحتية والخدمات الضرورية لتطوير بيئة الاعمال والانتاج واعادة الحيوية والفعالية للقطاع المصرفي والأهم اعتماد الشفافية المطلقة.

هذا سيعيد الثقة لهؤلاء، وسيبادرون الى استعمال ودائعهم واموالهم في افتتاح المزيد من المشاريع، مما يعود بالنفع على الجميع وعلى الدورة الاقتصادية في البلد.

اما اذا كان التوجّه الاستمرار في تخويفهم وحجز ودائعهم وفرض ضرائب غير منطقية، فإنّ لبنان سيشهد هجرة لكبار المستثمرين الى دول اخرى، ولن يفكّر اي مغترب مستقبلاً ان يعود ليستقر في لبنان وفي الاستثمار وفي انشاء مشاريع، وهذا ما سيؤدي الى إفقار لبنان، وهذا هدف أعداء لبنان.

 

مصدرالجمهورية - فادي عبود
المادة السابقةالقطاع البترولي… بين فقدان البوصلة وضياع الطريق
المقالة القادمةفحيلي: الضريبة الاستثنائية على الذين استفادوا من منصة صيرفة