هجمة تسجيل عقارات قبل تطبيق الرسوم الجديدة

ضجت مواقع التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام الاسبوع الماضي بخبر نقل ملكية 450 عقاراً بشكل عاجل من زعيم الى ابنه النائب.

لهذا الخبر دلالات كثيرة، من بينها حالة هلع يعيشها لبنانيون، من إمكانية زيادة الرسوم عند تسجيل عقاراتهم، وسعيهم للتهرب منها والالتفاف عليها. والدليل ما فعله الزعيم السياسي الذي إستعمل نفوذه، كي لا يدفع مبالغ طائلة على تسجيل عقاراته.

كما أن الخبر يفتح باب النقاش واسعاً حول الرسوم العقارية، التي تضمنتها موازنة العام 2022 في موادها 60/61 / 62/ 63/64، والتي أجرت تعديلات على إحتساب الرسوم والقيمة التأجيرية، عند تسجيل الأملاك العقارية المبنية وغير المبنية في دوائر الدولة، والتي يُقال أنها ستكون باهظة، بحسب ما ينقل النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين سركيس صقر لـ»نداء الوطن»، بأن «هناك توجهاً رسمياً بأن تكون رسوم التسجيل، وفقاً لدولار منصة صيرفة في المرحلة المقبلة، ولهذا تمّ تخفيض القيمة التأجيرية من 5% إلى 2.5%».

15 ألفاً أم منصة؟

بناءً على ما تقدم، من المفترض أن يتعامل اللبنانيون، مع سعر دولار جديد لإكمال معاملاتهم العقارية. وإلى الآن لم يعرفوا على أي سعر سيرسو عليه الدولار «العقاري»، على سعر المنصة أو 15 ألف ليرة كما أعلن وزير المال يوسف خليل؟ بحسب سعر الدولار ستكون الكلفة على مواطنين لا تزال مداخيل معظمهم على دولار 1500 ليرة، او 4500 ليرة بعد زيادة رواتب القطاع العام. علما أنه ليس مضموناً أن تكون هذه التعديلات سبباً، في زيادة مداخيل الخزينة العامة، في ظل الانهيار وتفشي الرشوة.

الضريبة من 5 الى 2.5%

هذه التعديلات يعتبرها المدير العام للشؤون العقارية الدكتور جرجي معراوي، بأنها ضرورية في ظل تغير سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ويشرح لـ»نداء الوطن» أنه قبل هذه التعديلات كانت القيمة التأجيرية 5 آلاف دولار (5%) على شقة يبلغ سعرها 100 ألف دولار، اليوم وبعد التعديلات باتت 2500 دولار( 2.5%)، وباتت الضريبة تؤخذ على الـ2500 دولار بدلاً من 5000».

يضيف: «تم تخفيض القيمة التأجيرية 50%، لأن المئة ألف دولار سابقاً كانت تساوي 150 مليون ليرة، أما اليوم فتساوي 4 مليارات ليرة. كما أن الموازنة خفّضت الضرائب على الأملاك المبنية بنسبة 50%، حين تم تخفيض القيمة التأجيرية للنصف. بالاضافة الى أن رسم التفرغ والإنتقال سيصبح احتسابه على اساس ناتج ضرب القيمة التأجيرية بـ40 بدلاً من 25، وهذا يعني عملياً أن ضريبة الاملاك المبنية زادت بالليرة، ولكن لم تصل إلى سعر صرف الدولار في السوق السوداء».

حساب جديد للقيمة التأجيرية

يوضح معراوي أن «القيمة التأجيرية كانت قبل التعديل 5%، وكانت تضرب بـ12.5 والتي على أساسها يتم إحتساب رسم التسجيل. بعد التعديل باتت القيمة التأجيرية تحسب بنسبة 2.5%، وبدل ضربها بـ40 لتكون قيمة العقار 100%، ستضرب بـ30 فتكون النتيجة 75%»، لافتاً إلى أن «هذا يعني أن هناك تخفيضا بنسبة 25% من قيمة العقار، حتى يتم إحتساب رسم التسجيل. وإذا إحتسبنا تسجيل العقارات من زاوية النسب، سيظهر أن الرسوم أقل من قبل بفرق كبير بعد التعديلات. أما إذا إحتسبناها وفقا لسعر دولار المنصة أو السوق الموازي، وبالمقارنة مع الليرة اللبنانية سيكون هناك فرق كبير بالتأكيد».

ويشير إلى أن «أغلبية المواطنين (العائلات)، تعمد اليوم إلى تسجيل عقاراتها بأسماء أقاربها، وأغلبية البيوعات العقارية هي بين الاهل، للإستفادة من سعر الدولار على 1500».

رسوم مسعرة بالدولار

على ضفة الخبراء بالشأن العقاري والضرائبي، يوضح سركيس صقر لـ»نداء الوطن» أن العقارات المسعرة بالدولار، لن يُقبل تسجيلها على 1500، بل سيتم بحسب سعر المنصة، أو أي سعر آخر تحدده وزارة المالية بالتنسيق مع مصرف لبنان». كما أن من يملك عقاراً ويتقاضى راتبه بالدولار، سيتم وضع سعر معين للدولار لإحتساب الضريبة (بعد إظهار إفادة عمل تبين وفقا لأي عملة يتقاضى راتبه). والدليل على هذا المسار الآتي هو أن الرسوم العقارية في الموازنة السابقة، كانت 5% أما في الموازنة الحالية فهي 3%. أي أنهم خفضوا معدل الضريبة مقابل إحتساب الرسوم على سعر دولار مختلف عن 1500. ولذلك نرى هجمة المواطنين لتسجيل عقاراتهم في الوقت الحاضر، لأن الرسم وفقاً لنسبة الـ5% تبقى مخفضة».

يضيف: «أما العقارات المبنية، ففي أحيان كثيرة لا تأخذ الدوائر العقارية بقيمة العقد لإحتساب الرسوم، بل تعمد إلى الاتكال على القيمة التأجيرية للعقار، التي تصدر عن وزارة المالية وتضربها بـ12.5، لإستخلاص القيمة البيعية كي يتمكنوا من إحتساب الرسم على أساس هذه القيمة. في موازنة 2022 تمّ التشديد كثيراً على إحتساب القيمة التأجيرية كي تشكل على الاقل 2.5% من كلفة البناء. بعدها يتم ضربها بـ30 ضعفاً بدل 12.5، كي يتمكنوا بعدها من إحتساب سعر البيع والرسوم العقارية. فإذا كانت قيمة عقد البيع أقل من القيمة التأجيرية يضرب بـ30 بدل 12.5. ولذلك هناك حركة بيع عقارات ناشطة حالياً، للهروب من هذه الزيادة في الرسوم قبل تثبيتها». وعن التهرب من دفع قيمة الرسوم الحقيقية عبر الرشوة، يقول صقر: «بنظري سيتم وضع ضوابط من قبل مدير الواردات لتحديد القيمة التأجيرية. مثال: من يقوم بالتخمين مجبر على التحقق من كلفة البناء ونوعيته، (فخم /وسط /شعبي). وبناء على هذه المواصفات يتم تحديد القيمة التأجيرية، وبالرغم من هذه الضوابط، من الممكن ان يحصل تهرب وتلاعب في تحديد القيمة التأجيرية».

تجارب خارجية

ويلفت إلى أنه «في دول اوروبية يتم تصنيف المناطق، وتحديد أسعار متر البناء وفقاً لجداول ومعايير واضحة. وأي مشتر يمكنه تسجيل عقاره مباشرة عند كاتب العدل. لأن الاسعار محددة بشكل دقيق بحسب تصنيف المناطق، وهذا ما يجب أن يطبق في لبنان»، مشيراً إلى أن «هذا التحول يجب أن يُعهد إلى لجان تقوم بتصنيف المناطق، وتحديد القيمة التأجيرية لكل منطقة، مما يمنع الاستنساب ويؤمن العدالة لكل الناس بعيداً عن مزاجية الموظف وإبتزازه».

ويعتبر أن «المواد التي أُقرت في الموازنة ستزيد الضرائب، لكنه لا يشجعها في هذا الوقت المأزوم وفي ظل الانهيار الحاصل، حيث باب الرشوة والتلاعب مشرع على مصراعيه في كافة القطاعات. والدولة لا يمكنها ضبط الامور، وهذا ما سينعكس سلباً».

ويختم: «برأيي يجب أن تكون الرسوم معتدلة، لأن مردودها على الخزينة سيكون أفضل، ومن الأمثلة على ذلك أنه تم رفع القيمة التأجيرية الى حد 120 مليون ليرة، أي تمت مضاعفتها عدة مرات بعد أن كانت 20 مليوناً. وبرأيي، يجب زيادة شطور الضريبة، بحسب نسبة التضخم الحاصلة لكي تبقى الرسوم عادلة».

الزيادة مشرّعة من ديوان المحاسبة

كاتب العدل ريان قبيسي توضح لـ»نداء الوطن» أن «الموازنة التي تم إقرارها فوضت وزير المالية بتحديد كيفية تسديد الضرائب والرسوم على أنواعها، بموجب قرارات تتماشى مع قراره بتحديد سعر صرف الدولار على 15 ألف ليرة. مشيرة أن «هذا الامر يتماشى مع رأي إستشاري صدر عن الهيئة العامة لديوان المحاسبة بتاريخ 17 /2/ 2020، طلب بموجبها إعادة النظر بالتخمينات العقارية، على أساس السعر الرائج في السوق، وهذا يعني أنه لا يمكن تخمين عقار بقيمة 100 ألف دولار بما يساوي 150 مليون ليرة».

تضيف: «إلى الآن لا نعرف على أي سعر سيتم التعامل مع الرسوم، خصوصاً ان الزيادة على الاجور في القطاع العام هي بنسبة 3 أضعاف فقط، وهذا لا يتماشى مع الاسعار التي ستنتج عن تثبيت الدولار على سعر 15 ألف ليرة، ولا تسمح لموظف القطاع العام تأمين إيرادات تمكنه من دفع الرسوم والضرائب وفقاً لسعر 15 ألفاً للدولار». في المقابل تلفت قبيسي إلى أنه «بعد كل هذه التطورات التي شهدتها الرسوم العقارية، زادت عمليات التسجيل. وكل الاشخاص الذين لديهم عقود إبتدائية لتسجيل عقاراتهم، يسارعون إلى التسجيل بشكل نهائي لأنهم يعرفون أن رسوم التسجيل ستتغير».

التسجيل مستقبلاً للمضطرين والمقتدرين فقط

وترى أن «الرسوم الجديدة لن توقف عمليات التسجيل مستقبلاً، لكنها ستقتصر على المضطرين، خصوصاً أن هذه التعديلات أتت من دون تعديل حقيقي، لمداخيل الموظفين والرواتب»، مشيرة إلى أننا «بإنتظار الحل الشامل، الذي ينظم كل الدورة الاقتصادية ويُخرج لبنان من الازمة. لأن بقاء مداخيل القطاعين العام والخاص على ما هي عليه سيؤثر على عمليات التسجيل، وسيقتصر على المضطرين والمقتدرين».

وتعطي قبيسي مثالاً على الفروقات التي سيتكبدها المواطن نتيجة التعديلات على الرسوم العقارية بالقول: سيزيد الرسم 10 أضعاف، فإذا كان 10 ملايين ليرة، سيقفز إلى 100 مليون ليرة».

تضيف: «كما أن رسوم إنتقال العقارات بفعل الوفاة سترتفع، وهناك عائلات تقوم بحصر إرث لدفع تخمين العقارات على دولار 1500 ليرة، لأنه في حال إرتفع الدولار الى 15 ألف ليرة، سيصبح تخمين العقارات لحصر الارث على 15 ألف ليرة أيضاً، وهذا سيؤدي الى خضة كبيرة جداً إذا لم يكن مرتبطاً بخطة شاملة».

لا استثمارات… ولا تطوير عقاري

يؤكد المدير العام للشؤون العقارية الدكتور جرجي معراوي أن «الفائدة التي تجنيها الخزينة من رسوم التسجيل عندما يكون هناك إستثمارات جديدة، وحصول تطوير عقاري ومشاريع سكنية جديدة، وهذا ما لا يحصل اليوم لأننا لسنا في مرحلة نستطيع فيها جذب المستثمر لشراء عقارات».

ويشدد على أن «ادخال الأموال الى البلد لا يتم فقط عبر تخفيض الرسوم، بل عند حصول مناخ إستثماري وسياسي يعيد الثقة. عندها فقط يعود المستثمرون إلى لبنان، لأن الرأسمال جبان ويتطلب استقراراً سياسياً واقتصادياً، وهذا غير موجود. ولذلك نجد ان المستثمرين اللبنانيين يتوجهون إلى قبرص بعد أن كانوا يشغلون أموالهم في بلدهم».

ابرز تعديلات الرسوم

من أهم التعديلات التي وردت في مواد الموازنة المتعلقة بالرسوم العقارية هي في المادة 62 والتي تنص على تعديل المادة 36 من قانون ضريبة الاملاك المبنية، تاريخ 17/9/ 1962 وتعديلاته لتصبح وفق ما يلي: «تراعى في تقدير الايرادات الصافية الاصول التالية، أولاً تعتمد أساساً للتقدير قيمة بدل الايجار الواردة في عقد الايجار، إذا كانت قيمته لا تقل عن 70 بالمئة من القيمة المقدرة، وفقاً للأصول المتبعة في البند 3 من هذه المادة. وفي حال العكس تعتمد القيمة المقدرة وفقاً للأصول المتبعة في البند 3 من هذه المادة، وثانياً في حال لم يكن الاشغال مستنداً الى عقد الايجار، تقدر الايرادات الصافية مع الأبنية المشابهة المؤجرة في ظروف وأحوال مماثلة. وثالثاً إذا تغيرت المقارنة، فتقدر الايرادات الاضافية بالإستناد الى العناصر الاساسية التي تؤثر في قيمة العقار التأجيرية، أي المساحة والمنطقة ونوعية البناء ومتممات البناء، (تدفئة/تبريد ومصاعد/انترفون) وغيرها من العناصر، شرط ان يؤمن البناء لمالكه، ما لا يقل عن 2,5 بالمئة من قيمته كبدل إيجار».

وفي المادة 62 من الموازنة تم إجراء تعديل على المادة 52، من قانون ضريبة الاملاك المبنية، التابع لتاريخ 17/9/1962 وتعديلاته، وتنص على أنه «إبتداء من إيرادات العام 2022، ينزل مبلغ 40 مليون ليرة، على الايرادات الصافية الخاضعة للضريبة لكل وحدة سكنية، يشغلها شخص طبيعي بصفة مالك او احد الشركاء في الملكية او من هو في حكم المالك».

 

 

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةتمويل مصرف لبنان للدولة بالدولار… تضليل وتزوير
المقالة القادمةالفساد ينغل في عقود مجلس الإنماء والإعمار… نغلاً!