هل الدولار مهدّد كعملة إحتياط ومدفوعات؟

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، انتشر عالمياً جدال يتعلّق «بإنهاء عصر الدولرة»، ولم تكن واشنطن وقادة وول ستريت بمنأى عن التفكير في هذا الطرح ومدى واقعية حدوثه والسيناريوات التي يمكن أن تفضي إليه.

في الولايات المتحدة، يحاول المحلّلون والشركات والسياسيون وغيرهم، التأكّد ممّا إذا كان هناك أي تهديد حقيقي لمكانة الدولار كعملة عالمية مهيمنة، ومعرفة آثار التغييرات التي تحدث في النظام النقدي الدولي على الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وتزايد الاهتمام بالقضية مؤخراً على خلفية العديد من القضايا، مثل أزمة قرب بلوغ سقف الدين الحكومي في الولايات المتحدة، والشراكة الصينية – الروسية، والتعاون الوثيق بين بكين ودول أخرى في ما يتعلق بالتبادل التجاري.

ومع تزايد القلق في الخارج بشأن هيمنة واشنطن على النظام المالي العالمي، وتعرّض النظام الدولاري للهجوم من الدول والعملات المنافسة، يكون السؤال الأكثر إلحاحاً الآن: ماذا سيحدث للأسواق إذا فقدت العملة الأميركية هيمنتها؟

أكثر ما يشغل الأسواق

قال «جينس نوردفيج» محلّل العملات ومؤسس منصّة «إكسانتي» للبيانات، والتي تعدّ أبحاثاً عن الاقتصاد الكلّي للمؤسسات: «يعدّ التخلّص من هيمنة الدولار أحد أكبر الأشياء التي يبحث عنها عملاؤنا».

تشير البيانات إلى أن حصة الدولار من احتياطيات العملات الأجنبية في البنوك المركزية حول العالم تتراجع ببطء منذ أواخر التسعينات. وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، تبلغ حصة الدولار من احتياطيات البنوك المركزية 58.4%، منخفضةً من 70% تقريباً في أواخر التسعينات. مع ذلك، يعتقد «ستيفن جين» الاقتصادي السابق في «مورجان ستانلي» أن هذا الاتجاه كان أكثر حدّة بكثير ممّا تشير إليه بيانات صندوق النقد الدولي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الارتفاع الأخير في قيمة الدولار.

منذ كانون الثاني 2022، ارتفع مؤشر الدولار، وهو مقياس مُراقب عن كثب لقيمة العملة الأميركية، بنسبة 6% تقريباً، بحسب بيانات «فاكت سيت»، ووفقاً لـ»جين» يفقد الدولار حصته في السوق كعملة احتياط بمعدل أسرع بكثير ممّا يُعتقد.

إنهيار مذهل

قال «جين» في مذكرة لعملاء شركته «يوريزون كابيتال» للإستشارات: «عانى الدولار انهياراً مذهلاً عام 2022 في حصّته السوقية كعملة احتياطية، وذلك على الأرجح بسبب استخدامه المكثّف كأداة للعقاب، ما أثار قلق الدول التي تحتفظ باحتياطيات كبيرة منه».

وفقاً لحسابات «يوريزون»، انخفضت حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية بنسبة 11% منذ عام 2016، فيما يرى «نوردفيج» أن بيانات صندوق النقد الدولي تعكس بدقة وتيرة تراجع الدولار كحصة من الاحتياطيات، والتي يُنظر إليها كمقياس حاسم لمكانته الدولية.

يُنظر إلى دوره في التجارة أيضاً على أنه مقياس مهم، ووفقاً لبيانات شبكة «سويفت» التي تسهل المعاملات بين البنوك دولياً، يستخدم الدولار في نحو 40% من المدفوعات العالمية، ما يجعله الرائد عالمياً.

مكاسب وخسائر

بعد سنوات طويلة من حديث الراحل «فاليري جيسكار ديستان» وهو رئيس فرنسي ووزير مالية سابق للبلاد، عن «الامتياز الباهظ» للدولار في الستينات، يقيّم بعض الاقتصاديين فوائد وأعباء استخدام الدولار كعملة احتياطية عالمية.

في ورقة عمل حديثة لمكتب الميزانية بالكونغرس الأميركي، قدم الاقتصادي «دانييل فرايد» بعض الأمثلة، وكان من بين المكاسب؛ زيادة الطلب على الأصول المقومة بالدولار وخفض أسعار الفائدة وامتلاك عملة أقوى تجعل السلع المستوردة أقل تكلفة أمام الأميركيين. في المقابل، يعني ذلك أن الصادرات ستعاني وتواجه الولايات المتحدة عجزاً تجارياً دولياً هائلاً، وقدّر مكتب التحليل الإقتصادي الأميركي حجم العجز في تجارة السلع والخدمات عند 70.5 مليار دولار في شباط.

تهديدات بالجملة

توقع «جين» وغيره من المحلّلين، أن يحتفظ الدولار بهيمنة أحادية الجانب لعقود مقبلة، إن لم يكن لفترة أطول، لكنهم أقرّوا أيضاً بالضغط الخارجي المتزايد للابتعاد عنه.

بدأ ذلك بجهود من روسيا والصين لتنفيذ المزيد من المعاملات التجارية باليوان، فيما تضغط بكين على وجه التحديد من أجل تداول المزيد من النفط والغاز الطبيعي بعملتها.

لكن يرى آخرون الكثير من التهديدات المحلية التي يمكن أن تقوّض شرعية الدولار في أعين المجتمع الدولي، حيث يمكن للسياسات المالية والنقدية لواشنطن أن تقوّض الثقة في عملتها بمرور الوقت.

يحذر هؤلاء أيضاً من أن الاستخدام العدواني للعقوبات المالية ضد روسيا وغيرها، قد يجعل بعض البلدان حذرة بشكل متزايد من مخاطر استخدام الدولار، كما أن السياسة المالية والنقدية غير الحكيمة قد تقوّض الثقة فيه بمرور الوقت.

على مرّ التاريخ ساهمت أخطاء السياسات في تلاشي هيمنة عملات الاحتياط، مثل ما حدث مع الفلورين الهولندي (أو الجيلدر) في أواخر القرن الثامن عشر، حيث تراجع تأثيره مع فقدان الثقة في بنك أمستردام عقب استخدام أسهمه لتمويل حرب ضد بريطانيا.

بدأ الجنيه الإسترليني يتأثر بقوة الدولار في عشرينات القرن الماضي، لكن الأخير ظهر كعملة احتياط قوية بلا منازع في الخمسينات، عندما أصبح الدولار المدعوم بالذهب العمود الفقري للنظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. ( بلومبيرغ،أرقام)

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةزيادات الـ4 رواتب تعزّز الأجور الكبيرة دون الصغيرة
المقالة القادمةبالأرقام: تأثير ارتفاع الدّولار الجمركيّ على أسعار السّلع