في محنته المصرفية والمالية والاقتصادية، هل كان لبنان بحاجة لحكومة تكنوقراط كي ينجز الامتناع عن الدفع؟ أم ان هذه «المعجزة» الاقتصادية كان يمكن أن تقوم بها أي حكومة عادية؟
وهل كان لبنان بحاجة الى حكومة تكنوقراطية لاكتشاف «فجوة مالية»؟ أم أن تحقيق هذه «المعجزة» هو من مهام مدققي حسابات كان يمكن لأي حكومة سياسية تكليفهم بانجازها! مع انه حتى حكومة التكنوقراط لجأت إليهم في هذه المهمة، والى باقي شركات الخبرات والاستشارات في مختلف المهام والمهمات؟
أم ان لبنان كان بالفعل في حاجة الى تحديد «خسائر مالية» حتى إذا لجأ الى حكومة تكنوقراط كي تحدد هذه الخسائر، لجأت حكومة التكنوقراط بدورها الى تكنوقراطيات إضافية من شركات استشارات إدارية ومالية، فكانت النتيجة أرقاما ما زالت حتى الآن موضع جدل واختلاف بين مختلف الأطراف من الحكومة والمصارف الى المصرف المركزي والصندوق الدولي، بانتظار أن يجمع اللبنانيون أرقامهم ويطرحوا خلافاتهم في ظل حكومة كان من المفترض أن توحد صفوفهم وتلتفت الى حل مشاكلهم، فكانت النتيجة انه رغم كل ما لدى حكومة التكنوقراط من علوم وخبرات، ما زالت الخلافات في التوجهات والاختلافات في الحسابات قائمة في مختلف المشكلات من مالية ونقدية ومصرفية الى اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتقنية، من الكلفة الحقيقية لرغيف الخبز وصفيحة البنزين وتعرفة الكهرباء ومنتجات الصناعيين والمزارعين الى الحد الملائم «للكابيتال كونترول» والمعدل الفعلي للدولار والقوة الشرائية لليرة والمؤشرات الحقيقية لميزانية الأسرة اللبنانية.
والمعدلات الدقيقة للتضخم الغلاء ونسبة البطالة والفقر والجوع، وكلها. وسواها عجزت أمور تقنية عنها حكومات سياسية ولم تتجرأ عليها حتى الآن حكومة… تكنوقراطية! فيما سعر الدولار يحلق عالياً بأرقام قياسية.
وتبقى القطبة المخفية تبقى في عنصر الثقة المحلية والدولية القادرة على اجتذاب الاستثمارات الداخلية والخارجية والمحققة لفرص العمل، ليس فقط في نوعية أو شكل الحكومة، وإنما في مستوى أداء الدولة من وزارات العدل والمال والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والعمل والبيئة الى باقي الوزارات بما في ذلك وزارة الداخلية وباقي القوى الأمنية، بحيث أن كل حادث أمني أو اضطراب سياسي يهدد جهود أي حكومة تكنوقراطية كانت أم سياسية، يؤدي الى هبوط في النشاط الاقتصادي وقلق متزايد لدى الاستثمارين الأجانب، ولا تنفع معه الدعوات الحكومية للمستثمرين المحليين الى الواجب الوطني كي يبقوا على استثماراتهم في بلدهم، فكيف اليوم وهم يرون ليرتهم الوطنية تهاوت وودائعهم المصرفية جفّت والمحلات برسم البيع أو الاستثمار أو أقفلت، والأموال التي كانت تتدفق على لبنان من كل صوب قد توقف شتاؤها وباتت عوائد الاستثمار كسادا وحصيلة الزرع جفافا بديلا عن حصاد!
الأداء الحكومي في توصيف BARCLAYS ومصرف لبنان
من جهة ثانية، اعتبر تقرير لبنك «باركليز» ان «سياسة التردد» Hesitation الحكومية أمام الضغوطات الاقتصادية، وسط صعود سعر الدولار، وبلوغ التضخم ٥٦% في شهر أيار والنقص في المحروقات والأدوية والخبز، وفرض الأمر الواقع في الـHair Cut والـCapital Control وعدم الوضوح بشأن حصيلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتوقف دفق الودائع وعدم الاستقرار في القطاع المصرفي واضطراب العلاقة مع حملة الـEuro Bonds خلال ستة شهور من عمر الحكومة… عوامل أدّت الى المزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي.
فيما تقرير مصرف لبنان عن «مؤشرات الاقتصاد الحقيقي خلال الفصل الأول من ٢٠٢٠ بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام ٢٠١٠ أظهر انخفاضا ٧٤% في عدد رخص البناء، و55,7% في تسليمات كميات الاسمنت و٦٢% في مبيعات السيارات و62,2% في حركة المطار و٣٥% في حركة المرفأ و٩،٩% في انتاج الكهرباء و7,8% في شيكات المقاصة و7,8% في الصادرات، وفي نمو سلبي عام ـ12% مع غياب الاستثمارات في القطاعين الخاص والعام مترافقا مع زيادة المخاوف حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية.