يخوض وزير الصناعة وائل أبو أفاعور حرباً شرسة في وجه الأوليغارشيين (كما يصر على تسمية التجار والمستوردين) في سبيل كسر الحظر والسطوة على القرار الاقتصادي، وإحداث خرق في نظام هيمنة التجارة على حساب استضعاف القطاعات الإنتاجية على مرّ التاريخ منذ قيام لبنان وحتى اليوم.
يصرّ أبو فاعور على كسر المحظور من خلال تغيير قواعد اللعبة وإدخال القطاع الصناعي إلى حلبة الإنتاج بعد استبعاده من قبل التجار، لم تكن المهمّة سهلة، فقد حقق فوزاً بالشوط الأول في حين أخفق بالثاني. طول يد التجار في الحكومة لم تُثنه عن المحاولة بل زادته إصراراً على استكمال السعي لتحقيق مكاسب للصناعيين وإن استلزم الأمر “خوض” حرب مع التجار.
وكما ترك بصمة في وزارة الصحة العامة من خلال حملة سلامة الغذاء التي قادها لسنوات و”دُفنت” بعد رحيله، يعلن بو فاعور خلال لقاء مع “المدن” عن انطلاق حملة سلامة مياه الشرب، كاشفاً عن التوجه الى إقفال العشرات من محال تعبئة المياه بعد أن ثبت أن ثلاثة أرباعها غير مطابقة للمواصفات وتبيع مياهاً غير صالحة للشرب.
وفي الآتي اللقاء الذي أجراه “المدن”:
خضتم حرب فرض رسوم على المستوردات لحماية الصناعة، هل أنت راض عن النتيجة؟
النتيجة كانت ممتازة، نعم كسرنا الحظر كما كسرنا تسلّط وسطوة التجار على القرار الإقتصادي في البلد، ولأول مرة بتاريخ النظام الإقتصادي اللبناني تصدر قرارات حمائية لمنتجات صناعية. ما يعني أنه بات هناك تحول كبير بالنظرة الاقتصادية في لبنان.
فالنظام الاقتصادي للبنان تاريخياً بني على قاعدة تحكُّم أوليغارشيا مالية واقتصادية معيّنة. وهذا ما قاد لتحويل لبنان الى بلد مستهلك بالكامل، ومُستلب بالكامل، من قبل التجار والمستوردين، مع استبعاد فكرة الانتاج بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المناطق وتنمية الريف.
هل تعتبر فرض رسوم نوعية على بعض المستوردات إنجازاً؟
نعم الإجراءات الحمائية من دون شك إنجاز. وهي بداية لمسار طويل يجب المثابرة عليه واستكماله. والرسوم النوعية أصبح قرارها نهائياً. وقد تم التحضير لمرسوم يتضمن 18 منتجاً مع إعادة النظر بمادتين بشكل تفصيلي، من دون أي تغيير بالجوهر، وتتراوح الرسوم على المنتجات الـ20 بين 5 في المئة وما يزيد عن 25 في المئة على بعضها.
ماذا عن رسم 3 في المئة؟ اتُخذ بحجة دعم الصناعة في حين أن الصناعيين غير راضين عنه ولا معنيين به؟
لا شك أن الصناعة اللبنانية غير معنية ولا مستفيدة من رسم الـ3 في المئة. والصناعيون لا يتحملون مسؤولية هذا الرسم. ومع الأسف، كان مشروع فرض رسم 3 في المئة مرتبطاً بالصناعة على أن تخصّص إيراداته لدعم القطاعات الإنتاجية. لكن أجهضت الفكرة وتم تحويلها لدعم إيرادات الدولة فقط. وطبعاً نحن لم ولن نستسلم. فقد طالبت بتخصيص 50 مليار ليرة كحد أدنى لدعم التصدير الصناعي. وقوبل طلبنا بالرفض، لذلك “سأطالب في مجلس الوزراء بتخصيص 50 مليار ليرة من عائدات الرسم لدعم الصادرات الصناعية”.
بعد فرض رسوم حمائية، هل سيتمكّن لبنان من الوقوف بوجه الدول التي تربطه فيها اتفاقيات؟
لبنان مرتبط مع الدول العربية باتفاقية التيسير العربية، وبالتالي نحن مضطرون لمناقشة هذا الأمر ودّياً معها في المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية، للتفاهم على الإجراءات. وهناك رسوم ستوضع على منتجات مستوردة من الدول العربية. ولا مفر من مناقشة الأمر ودّياً.
وحتى الآن، يبدو رد فعل الدول العربية ودّياً، لأنهم معنيون باقتصاد لبنان كالسعودية على سبيل المثال، التي تقدم مساعدات كبيرة للبنان على المستوى الاقتصادي. وبالتالي، لن تقف عند تفصيل صغير يتعلّق بحماية الإنتاج اللبناني.
ولكنها توقفت عنده في وقت سابق ورفضت اعتماد لبنان إجراءات حمائية بوجه منتجاتها؟
لم نلمس ذلك خلال مناقشاتنا مع السعوديين، الذين أعربوا عن حرصهم على الاقتصاد اللبناني. وبالنسبة ألى الدول التي لا تربطنا معها اتفاقيات تجارية، فلا مشكلة باتخاذ إجراءات حمائية في وجهها. أما بالنسبة الى الدول التي يرتبط معها لبنان باتفاقيات كالدول العربية والأوروبية فإن بنوداً في الاتفاقيات تسمح للبنان باتخاذ إجراءات حمائية لصناعاته المحلية. لكن الأزمة تكمن في استحكام الدونية بالتعاطي مع لبنان على مر سنوات.
ومع الأسف لبنان هو من كرّس هذه الدونية بالتعاطي معه على مستوى التبادل التجاري. فتاريخياً، لبنان استضعف نفسه ووُضع في هالة من المحظورات تجاه الدول، علماً أن غالبيتها تأخذ إجراءات حمائية لمنتجاتها.
كما أن هناك جانباً ديبلوماسياً في وزارة الصناعة لطالما كان مغفلاً على مر السنوات السابقة. ووزارة الصناعة لم تكن تؤخذ بالإعتبار، كذلك الصناعة اللبنانية لم تكن تؤخذ بالجدية الكافية، عند مناقشة الاتفاقات الدولية. وكان هناك استهانة واستخفاف بالصناعة اللبنانية، والسبب يعود إلى كارتيل التجار في لبنان، وسيطرة النهج الاقتصادي الاستيرادي والاستهلاكي على حساب الإنتاج.
ماذا عن الدول التي تضع عراقيل في وجه الإنتاج اللبناني؟
العديد من الدول العربية تلتزم باتفاقية التيسير العربية. لكن بعض الدول لا تلتزم. وهناك أكثر من دولة عربية تأخذ إجراءات بحق الصناعة اللبنانية، وتضع في وجهها عوائق تقنية وغير تقنية، كالجزائر والعراق على سبيل المثال.
والأسوأ من كل ذلك هو الانتقال من إتفاقية التيسير إلى اتفاقيات ثنائية بين الدول العربية. ولا يمكن للبنان أن يكون متخلفاً عن هذا الأمر. وبالتالي، هناك نقاش ودي مع بعض الدول كالسعودية ومصر والإمارات، في مقابل السعي لإحداث توازن مع الدول التي تضع عراقيل أمام الإنتاج اللبناني. وبموجب المعاملة بالمثل، على لبنان أن يتخذ إجراءات مماثلة.
ماذا تقول لأصحاب نظرية فشل القطاع الصناعي اللبناني؟
فلينظروا إلى الأرقام.. حقّق لبنان في الربع الأول من العام 2019 زيادة في الصادرات بنسبة 4 في المئة، وزيادة بنسبة 10 في المئة بالمقارنة مع العام 2017. ولدي أمل كبير بإحداث تغيير على مستوى التصدير الصناعي. لكن هذا الأمر تراكمي ولا تظهر نتائجه سريعاً، إنما يتضح ذلك من ارتفاع التراخيص الصناعية المقدمة إلى وزارة الصناعة في الفترة الأخيرة، وكذلك من إقبال الصناعيين وتحسن شعورهم بالثقة.
التجار يريدون أن يحكموا بالإعدام على كل القطاعات الإنتاجية في البلد. وأرى أن على التجار، الذين أصر على تسميتهم بالأوليغارشيا المالية الحاكمة في لبنان، أن يبدأوا بالاقتناع أن النموذج الاقتصادي الذي تم تطبيقه منذ الاستقلال وحتى اليوم لم ينجح.
أبرز مطالب القطاع الصناعي هي تخفيض فاتورة الأكلاف التشغيلية، هل من إجراءات؟
تقدمنا باقتراح لمجلس الوزراء يقضي بدعم تسعيرة الطاقة لكافة المصانع اللبنانية، لاسيما الصناعات ذات الاستخدامات المكثفة للطاقة، وتبلغ قيمة الدعم 35 مليون دولار، بانتظار بحث الاقتراح.
ولو لم أكن مؤمناً بقابلية القطاعات الصناعية للنهوض لما كنت خضت هذه المعركة. نحن نتنافس مع مجموعة عمالقة صناعيين في المنطقة، يقدمون دعماً بالأرض والطاقة وإعفاءات ضريبية ودعم التصدير، مثل تركيا التي تدعم التصدير بنسبة 12 في المئة، ومصر تدعم بنسبة 7 في المئة. أما في لبنان فلا دعم على الإطلاق. ورغم ذلك، تبقى بعض الصناعات اللبنانية منافسة بالفعل. وبعض الصناعيين يبيعون منتجاتهم إلى شركات عالمية مثل ali baba وamazon وغيرهم.
أين أصبح مشروع المناطق الصناعية؟ وما الذي سيقدمه للصناعة اللبنانية؟
المناطق الصناعية أصبحت سبعاً، جزء منها مؤمن التمويل وجزء آخر لا زلنا نبحث له عن تمويل. لكن الآلية مستمرة. لزّمنا الدراسات، ومن المرتقب أن نباشر في العام 2020 بتلزيم التنفيذ عبر مجلس الإنماء والإعمار، حسب شروط القرض الأوروبي.
ستؤمّن المناطق الصناعية بنى تحتية تسهّل على الصناعيين الإنتقال من المناطق المكتظة، لاسيما المناطق ذات أسعار العقارات المرتفعة، إلى مناطق تتضمن خدمات للمصانع وتراعي حماية البيئة وتخفف بالتالي التكلفة على الصناعي بشكل كبير.
هل ستطلق حملة من وزارة الصناعة على غرار حملة سلامة الغذاء التي أطلقتها من وزارة الصحة؟
بالفعل انطلقنا بحملة سلامة على المؤسسات التابعة لوزارة الصناعة كالصناعات الغذائية والمسالخ ومؤسسات تعبئة المياه.
بدأت الحملة بهدف رقابي على بعض المؤسسات، وتشجيعي على مؤسسات أخرى، كالصناعات الغذائية. وتهدف إلى مساعدة هذه المؤسسات على استيفاء شروط الجودة للصناعة اللبنانية بغية تسهيل التصدير إلى دول العالم.
أما في ما خص المياه، فبدأنا بحملة تدقيق على محلات التعبئة لناحية نوعية المياه والمعدات وطريقة نقل المياه. وكانت المفاجأة بأن الغالبية الساحقة من المحلات (75 في المئة منها) إما غير مرخصة أو غير مستوفية شروط سلامة المياه، وهناك نماذج غير مقبولة على الإطلاق. منها من أعطي مهلاً منذ العام 2015 لتسوية أوضاعه، وهو ما لم يتم لغاية اليوم.
لن نقدم على الإغلاق الفوري لمحال تعبئة المياه، إنما يجب أن نضمن صحة مياه البئر وصحة المعدات والنقل، وليلتزم الجميع بالشروط الجديدة. وكل ما هو غير مطابق سيقفل، بما فيه الآبار الأرتوازية ومحلات تعبئة المياه.
هل تعهدت بالقضاء على التلوث الصناعي مطلع العام 2020؟
نعم أتعهد بتحقيق صفر تلوث صناعي بداية العام 2020. أقفلنا مؤخراً 14 مصنعاً لم يلتزموا بالشروط الصحية السليمة، رغم إعطائهم المهل الزمنية الكافية.
وانتهينا من المرحلة الأولى، أي من معامل الفئة الرابعة والخامسة (يتم تصنيف المصانع إلى فئات، حسب ثقل الصناعة) وقد أقفلت المصانع التي تمنّعت عن تركيب محطات تكرير. واليوم تنتهي المهلة الزمنية للفئة الثالثة. وفي 28 أيلول، تنتهي المهلة للفئة الأولى والثانية. والهدف الوصول إلى صفر تلوث نهاية العام.