وكالات تصنيف دولية تشكّك بإعادة هيكلة ديون لبنان السيادية

سنداً إلى خلاصةٍ تحليلية بأنّ نظام لبنان الاقتصادي والمؤسّساتي مقيّد من نظامه السياسي، أبقتْ وكالة التصنيف الدوليّة ستاندرد أند بورز (S&P Global Ratings) على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملات الأجنبيّة للدولة اللبنانية والبالغة قيمتها الدفترية نحو 37 ملياردولار عند مستوى التخلّف المقيّد عن السداد «SD»، مُحافِظَةً أيضاً على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملة المحليّة عند درجتيْ «CC» و«C»بالتتالي، اي مواجهة صعوبات في السداد، مع نظرة مستقبليّة سلبيّة.

تزامناً، أبقت وكالة التصنيف الدوليّة «فيتش» (Fitch Ratings) تصنيفها الإئتماني الطويل الأمد بالعملات الأجنبيّة للدولة اللبنانيّة عند حالة التخلّف عن الدفع المقيّدة (Restricted Default). كما أبقت التصنيف الإئتماني القصير الأمد بالليرة اللبنانيّة وبالعملات الأجنبيّة عند مستوى «C» والتصنيف الإئتماني الطويل الأمد بالعملة المحليّة عند «CC»، وتصنيف السقف السيادي عند «CCC».

ومع التنويه بان الامكانيّة لا تزال قائمة لإعادة هيكلة هذا الدين، عزت «ستاندرد أند بورز»، في أحدث تقييم لها في شأن الجدارة الائتمانية للبنان، النظرةَ المستقبليّة السلبيّة للدين بالعملة المحليّة إلى الشكوك التي تحوم حول إحتمال قيام الحكومة اللبنانيّة بهذه المهمة. علماً أنّ إقرار الحكومة لإستراتيجيّة إعادة هيكلة الديون يشكّل أحد الشروط التسعة المطلوبة من صندوق النقد الدولي ليقوم مجلس إدارته بدرس الموافقة على إتّفاقيّة التمويل البالغة قيمتها 3 مليارات دولار.

ولفتت إلى أنّه منذ شهر اكتوبر 2019، تَراجَعَ الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد من 8 آلاف دولار في 2018 إلى 1300 دولار في 2022.بالإضافة إلى تدهور سعر صرف العملة المحليّة مقابل الدولار الأميركي ما أدّى إلى إرتفاع متوسّط مستوى التضخّم إلى 155 في المئة في العام 2021، ومع توقّعات بأن يبقى هذا المستوى فوق الـ 100 في المئة في 2022.

كما توقّعت الوكالة إنكماشاً في الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3 في المئة في 2022 على إثر تراجع الإنفاق بنتيجة التضخّم وإنخفاض الإستهلاك الحكومي، فيما من المتوقّع أن يسجّل الناتج المحلّي الإجمالي زيادة بنسبة 1.5 في المئة في 2023 نتيجة تطوّر مستوى الإستهلاك والإستثمار.

وإذ نوّهت بأنّ المشهد السياسي المنقسم كما هو مبيَّن من خلال الفشل في تشكيل حكومة بعد مرور 3 أشهر على إجراء الإنتخابات قد يؤدي أيضاً إلى عرقلة تطبيق الإصلاحات، لاحظت أنّ البرلمان اللبناني كان قد أقرّ قانون تعديل السريّة المصرفيّة، فيما لا يزال قانونيْ الموازنة والكابيتال كونترول قيد الدرس. ولذا حذّرت من أنّ إقرار بعض القوانين المتعلّقة بالقطاع المالي كتوحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي قد يكون صعباً.

وأشارت الوكالة أيضاً إلى ظاهرة تعدُّد أسعار الصرف، إلّا إنها لفتت إلى أنّ الهوّة بين سعر صيرفة وسعر الصرف في السوق السوداء قد أصبحت أصغر. وفي هذا الإطار، أشارت إلى أنّ تطبيق برنامج صندوق النقد سيؤدّي إلى سعر صرف أكثر مرونة مع توقّعات بأن يتحسّن سعر الصرف إلى مستوى مستقرّ عند 28 الف ليرة مع نهاية 2025.

ولفتت «ستاندرد أند بورز» إلى أنّ نسبة الدين من الناتج المحلّي الإجمالي قد تأثّرت بشكل كبير بتراجع سعر الصرف، حيث إرتفعت نسبة الدين الأجنبي بالعملة المحليّة إلى 92 في المئة من إجمالي الدين في العام 2021 مقارنةً بنسبة 39 في المئة في العام 2019، مشيرة إلى أنه بشكل إجمالي من المتوقّع أن تبلغ نسبة الدين من الناتج المحلّي الإجمالي نحو الـ 500 في المئة في 2022 مقارنةً بـ 160 في المئة في 2019.

وقد إستمرّت إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة على وتيرتها التراجعيّة إذ أبقى المصرف المركزي الدعم على بعض السلع وتسديد إلتزامات لبنان المتعدّدة الأطراف من إحتياطات «المركزي» بالعملة الأجنبيّة. وبحسب الوكالة، لن يساعد التراجع الكبير في إحتياطات مصرف لبنان في كبْح التدهور في ميزان المدفوعات مع العلم أنّ المصرف المركزي بحاجة إلى موافقة البرلمان في حال أراد التصرّف بإحتياطي الذهب والبالغة قيمته 16 مليار دولار.

بدورها، عزت «فيتش»التصنيف السيادي المتدني إلى تخلّف الحكومة عن دفع سندات اليوروبوند التي إستحّقت في 9 مارس 2020 حيث أنّ الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب قد توقّفت عن دفع سندات اليوروبوندز بالعملات الأجنبيّة، بإنتظار عمليّة إعادة هيكلة الدين، فيما لا تزال تدفع مستحقّاتها بالعملة المحليّة.

وبحسب الوكالة، فقد توصّل لبنان إلى إتّفاق مع صندوق النقد الدولي في ابريل 2022 للحصول على تمويل خارجي لفترة تمتدّ على أربعة سنوات وبقيمة 3 مليار دولار بهدف مساندة برنامج إصلاحي مالي وإقتصادي شامل. ولكّنها أشارت الى أنّ وقت البدء بتنفيذ البرنامج غير أكيد بسبب المشهد السياسي في لبنان والذي من شأنه أن يعرقل تنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق.

وفي هذا الإطار، نوّهت الوكالة إلى وجود عدد كبير من الخطوات التي يطلب صندوق النقد تنفيذها، كموافقة مجلس الوزراء على إستراتيجيّة لإعادة هيكلة المصارف، وموافقة المجلس النيابي على تشريعات لتسوية القضايا المصرفيّة العاجلة، وقانون جديد للسريّة المصرفيّة وموازنة 2022. كما إشترط صندوق النقد توحيد أسعار الصرف، ترافقاً مع تطبيق الكابيتال كونترول، والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والبدء بتقييمٍ إفرادي لأكبر 14 مصرفاً.

وكشفت «فيتش»أنّ مطلوبات المصارف بالعملات الأجنبيّة قد بلغت 104 مليارات دولار مع نهاية يونيو 2022، في حين بلغت توظيفات المصارف بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان 79 مليار دولار، انما هي غير متوافرة لها واقعيا، حيث أنّ إجمالي إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة قد تدنت دون 11 مليار دولار مع نهاية شهر يونيو 2022، من دون إحتساب إحتياطات الذهب التي تقدّر قيمتها بـ 17 مليار دولار والتي تتطلّب تشريع قانون في مجلس النوّاب للتصرف بها.

مصدرالمركزية
المادة السابقةأسطوانة “الكابيتال كونترول”… أخطر قانون!
المقالة القادمةالكابيتال كونترول و”الثالوث المستحيل” في لبنان! إجراء ظرفي بدون خطة بنيوية…