1.74 مليار دولار: مضاربات المصارف في السوق السوداء

أرقام الميزانيات المصرفيّة حتّى نهاية شهر آب الماضي، تظهر أن المصارف باتت تمتلك في حساباتها لدى المصارف المراسلة نحو 5.12 مليار دولار، مقابل إلتزامات للمصارف الأجنبيّة تبلغ قيمتها 5.26 مليار دولار. وبذلك، يسجّل صافي الموجودات الخارجيّة للقطاع المصرفي اللبناني، أي الفارق بين الالتزامات والموجودات في الخارج، عجز بقيمة 140 مليون دولار. هذا العجز يعني ببساطة أن المصارف مازالت عاجزة عن الإيفاء بجميع التزاماتها في الخارج، من خلال المبالغ الموجودة الآن في حساباتها لدى المصارف المراسلة.

على أي حال، تظهر أرقام القطاع المصرفي نفسها أن المصارف لم تكن تملك قبل سنة واحدة من هذا التاريخ، أي في شهر آب من العام 2020، إلا نحو 4.39 مليار دولار في حساباتها لدى المصارف المراسلة، في مقابل التزامات للمصارف الأجنبيّة بلغت حدود 7.47 مليار دولار. وبذلك، يكون صافي الموجودات الخارجيّة، أي فارق الالتزامات والموجودات في الخارج، قد سجّل في آب 2020 عجزاً كبيراً بلغت قيمته 3.08 مليار دولار.

أرقام الجمارك اللبنانيّة، تظهر أن حجم العجز في الميزان التجاري اللبناني –أي الفارق بين حجم الصادرات والواردات- انخفض خلال العام 2020 ليبلغ حدود 7.75 مليار دولار، بعد أن كان هذا العجز يناهز حدود 15.5 مليار دولار خلال العام 2019. مع الإشارة إلى أن هذا الانخفاض نتج أساساً عن تراجع قيمة السلع المستوردة، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع القيمة الشرائيّة لأجور المقيمين في لبنان ورواتبهم.

في كل الحالات، ما تعنيه هذه الأرقام باختصار هو أن السوق المحلي لم تكن تحتاج إلى أكثر من 7.75 مليار دولار من العملة الصعبة خلال العام الماضي، لتمويل الفارق بين ما تستورده البلاد وما تصدّره من سلع وخدمات. في المقابل، وفي السنة نفسها، ورد إلى السوق الموازية نحو 6.29 مليار دولار من تحويلات المغتربين. كما قام مصرف لبنان بتأمين الدولارات من احتياطاته لتمويل استيراد السلع الأساسيّة. ولهذا السبب بالتحديد، لم يكن المفترض أن يؤدّي الطلب على الدولار، لغايات الاستيراد فقط، إلى هذا القدر من التدهور في سعر صرف العملة المحليّة.

هنا يمكن فهم أثر الدور الذي لعبته المصارف خلال العام الماضي على سعر صرف السوق الموازية، من خلال امتصاص هذه الكتلة الكبيرة من العملة الصعبة من السوق الموازية وبشكل مستمر ومنتظم، وعبر عرض أسعار مرتفعة لشراء الدولار من السوق مقارنة بالأسعار الرائجة. مع الإشارة إلى أن بعض المصارف نسجت طوال الفترة الماضية علاقات وطيدة مع تجار السوق السوداء في جميع المناطق، للتمكن من اجتذاب دولارات السوق بشتى العروض التي كانت تقدّمها.

أخيراً، من الواضح أن كل ما تم تسويقه خلال الأشهر الماضية من خطط وتعاميم من قبل مصرف لبنان في ما يخص إعادة الانتظام إلى العمل المصرفي لم يكن سوى سلة أوهام، وخصوصاً في ما يتعلّق بإعادة تكوين سيولة المصارف لدى المصارف المراسلة. في خلاصة الأمر، من غير الواقعي توقّع أي تطور إيجابي على هذا المستوى، قبل الاعتراف الواضح والصريح بفجوة الخسائر الموجودة حاليّاً في القطاع، وقبل وضع تصوّرات واضحة لكيفيّة التعامل مع هذه الخسائر ومعالجتها. هذه المسألة، هي تحديداً ما يفترض أن تنكب عليه الحكومة اليوم، في إطار خطتها للتعافي المالي التي سيتم على أساسها التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالعقود الجديدة بالدولار: الاستشفاء بلا تأمين أقل كلفة معه
المقالة القادمةعراجي: سيتم استيراد حيلب الأطفال خلال أسبوعين بحد أقصى